نقطة فوق العين

TT

تأخرت عن موعد رحلة الخطوط السويسرية من جنيف إلى لندن فعدوت نحو البوابة عدوا، لكنني وصلت متأخرا دقيقة واحدة، فيما المضيفة تغلق الباب، فاعترضت قائلا: «إنها دقيقة واحدة». فأكملت إغلاق الباب وهي تقول: «كل سمعة سويسرا قائمة على هذه الدقيقة». وتعلمت درسا آخر.

في مقال أمس «صورة الملك أبًا» كتبت «ثمة قادة كثيرون في العالم العربي ولكن هناك أبًا واحدًا في مثل هذا الغمر من المشاعر». وصباح اليوم التالي قرأتها «في مثل هذا العمر». والفارق بين المعنيين هو النقطة الصغيرة التي غيّرت الأمر من قول إلى قول.

وقبل حين كتبت أن هنري كيسنجر طرد جميع «السلميين» من الخارجية الأميركية. وجمعتها عاملة الطباعة في بيروت على أنها «السلميين». وصححها مدير المكتب على أنها «السلميين». وفي الصباح قرأتها «المسلمين»، فبدوت غبيا جاهلا يظن أو يخيل إليه أن الخارجية الأميركية محشوة بالمسلمين، وذلك قبل زمن طويل من وصول زلماي خليل زادة. وبعدها كتبت عن معركة فاروق حسني في الأونيسكو وملاحظته عن «الأدب العبري»، وفي اليوم التالي اكتشفت أن الدنيا قائمة بسبب ما قاله حول «الأدب العربي»، ولم أفهم كيف يمكن أن تكون لوزير الثقافة المصري ملاحظات عدائية على الأدب العربي.

الأخطاء الطباعية قصة قديمة تتجدد باستمرار. ولن تكون لها نهاية مع الذين لا يزالون، مثلي، يكتبون بالقلم كما علمهم تعالى. ومشكلتي أن خطي الذي كان واضحا مثل الطباعة أصبح مع العمر عصيا مثل دمع أبي فراس الحمداني. ومع ذلك فإن النقطة فوق «الغمر» كانت واضحة، والمعنى كان جليا، والمقارنة كانت بين الأغمار لا بين الأعمار.

تُغيّر نقطة واحدة أو يغير حرف واحد هدفا كاملا. ويشبه الخطأ الطباعي قالبا جميلا من الحلوى سقطت فوقه فراشة. والمسؤولية دائما مسؤولية الكاتب وصاحب التوقيع، لأن المصحح جندي مجهول لا يعرف به أحد. ولست أشك لحظة واحدة في نوايا المصححين الأعزاء ولا في جهدهم. والحقيقة أنني كنت قد ارتكبت خطأ في كتابة اسم موقع الجامعة، فصحح على أفضل ما يكون، أو بالأحرى على أصح ما يجب. لكن ليت الخطأ ظل في المبنى وموقعه بدل أن يقع في المعنى وجوهره.

بدل التصويبات السريعة، سوف نظل نجمع لجنابكم بين حين وآخر بعض التصويبات الضرورية جدا، كأن يطرد رجل الحروب الكبرى جميع السلميين من الخارجية، أو كأن تكون ملاحظات الوزير المصري حول الأدب العبري وليس العربي، أو كأن يكون الملك أبًا في مثل هذا الغمر.. نقطة فوق العين.