الفرصة الأخيرة أمام إيران

TT

توجب علينا الدروس المستفادة من التاريخ توخي الحذر حيال التوجه الإيراني الجديد الذي أبدت في إطاره استعدادها للتفاوض، ذلك أن الدبلوماسيين الغربيين غالبا ما عادوا من هذه المفاوضات بخفي حنين. بيد أن ذلك لا ينفي اعتقادنا بأن المحادثات المقررة في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) فرصة مهمة للكشف عن نوايا إيران وللرئيس أوباما كي يقنع الدول الأخرى بالحاجة إلى التمسك بالعقوبات. وعليه، يجب التعامل مع هذه المحادثات بجدية.

من جهتها، صرحت وزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون بأن هدف هذه الجولة الأخيرة من المحادثات ينبغي أن يتمثل في «لقاء الإيرانيين وجها لوجه وشرح الخيارات المطروحة أمام إيران». في الواقع، لقد حظيت إيران بالوقت واستغلته في اتخاذ ذات الخيار المؤسف، وهو استغلال وعود التعاون السياسي في تعطيل وتثبيط الضغوط الدولية. لم يعد أمامنا الكثير من الوقت المتبقي لتوجيه إلى أساليب التعطيل الإيرانية، إذا كان هذا بالفعل المقصود من وراء هذا التقارب الأخير. مثلما أشرنا في تقرير قدمناه إلى «مركز السياسات التابع للحزبين» (الديمقراطي والجمهوري) الأسبوع الماضي اعتمد على دراسة متعمقة لقدرات التخصيب المعروفة لدى إيران ومخزونات اليورانيوم لديها، فإننا نعتقد بأنها ستكتسب القدرة على إنتاج سلاح نووي بحلول عام 2010. في تلك الأثناء، تبدو إسرائيل عاقدة العزم أكثر من أي وقت مضى على شن ضربة عسكرية انفرادية إذا ما اقتضت الضرورة ذلك.

من أجل ضمان نجاح الجهود الدبلوماسية، لا ينبغي أن تسمح الولايات المتحدة لإيران بإملاء شروط التعاون. في الواقع، فإن الاتفاق على استراتيجية واقعية مع شركائنا يتسم على الأقل بذات القدر من الأهمية مثل ما يقال حول طاولة التفاوض. ومثلما أشرنا في تقارير سابقة وفي مقالات بهذه الصفحة، فإن الدبلوماسية الناجعة مع إيران تتطلب في البداية «إقرار أساس استراتيجي قوي» لجهود بناء التحالفات والنفوذ. ما دام أن إيران لم تجمد نشاطاتها بمجال تخصيب اليورانيوم، ينبغي أن تقصر واشنطن وحلفاؤها المفاوضات على إطار زمني محدد. حال عدم إحراز تقدم موثوق به خلال هذه الفترة، يجب أن نستعد للانسحاب من طاولة التفاوض. وإلا ستصبح طهران قادرة على جرنا خلفها في محادثات لا نهاية لها، في الوقت الذي تستمر أجهزة الطرد المركزي داخلها في الدوران.

من بين الشروط الجوهرية الأخرى لضمان نجاح المفاوضات بناء نفوذ على إيران. في ظل سيناريو مثالي للأحداث، ربما تشهد قمة مجموعة العشرين هذا الأسبوع والفترة السابقة للمحادثات جهود ضغط من أجل توسيع نطاق العقوبات المستهدفة المفروضة ضد قطاعي المال والطاقة داخل إيران، وكذلك على الشركات الأجنبية التي تضطلع بنشاط تجاري معها. عبر تعزيز الضغوط على طهران قبل الجلوس على مائدة التفاوض معها، سيكسب المفاوضون الغربيون «عصا» (متمثلة في إجراءات إضافية) و«جزرة» (متمثلة في إمكانية إلغاء العقوبات)، بحيث يمكن استغلالهما في تحفيز الجانب الإيراني للتعاون. إلا أنه للأسف ليس هناك ميل كبير على صعيد المجتمع الدولي نحو تشديد العقوبات. ورغم التصريحات القوية التي أطلقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فإن الدعم الأوروبي لتشديد العقوبات ضد إيران ليس عاما. كما أن روسيا أبدت معارضتها الواضحة لذلك، بينما تبدو الصين عاقدة العزم على تعزيز روابطها مع إيران بالمجال التجاري وفيما يخص الطاقة.

وعليه، يجب أن يتمثل الهدف الأساسي للرئيس أوباما أثناء وبعد المفاوضات في حشد الدعم الدولي لتشديد العقوبات. ورغم أن الظروف ليست واضحة بعد، نأمل في أن يكون قرار الإدارة الأخيرة بالتخلي عن خطط نشر مظلة دفاع صاروخي في بولندا وجمهورية التشيك مرتبطا بتنازلات روسية فيما يتعلق بإيران. إذا لم يكن الحال كذلك، فإن ذلك ربما يقوض بشدة نفوذنا لدى روسيا وأيضا إيران.

من شأن مشاركة الولايات المتحدة في محادثات أكتوبر (تشرين الأول) تقديم مزيد من الدلائل على التزامنا بالنهج الدبلوماسي وبناء نوايا حسنة عالمية إضافية. وإذا ما اتضح أن هذه المحادثات ستلقى مصير جميع الجولات التي سبقتها ـ أي بلا نتائج ـ سيصبح من الصعب نفي محدودية فرص التعاون والحاجة لاتخاذ إجراءات أشد صرامة. ويجب ألا نقع في خطأ الخلط بين مسألة سير عملية التفاوض وبين فكرة إحراز تقدم.

إذا ما فشل المجتمع الدولي في مساندة العقوبات حتى في ظل تلك الظروف، يبقى لدى الولايات المتحدة الكثير مما يمكنها فعله للضغط على إيران. على سبيل المثال، بمقدور واشنطن إجراء استعدادات عسكرية علنية، مثل إرسال تشكيل حاملات طائرات إلى الخليج لإجراء مناورات عسكرية بالمنطقة. وينبغي أن يكشف هذا لطهران التكاليف المترتبة على استمرار تعنتها، ويقنع القادة الأوروبيين بأنهم يزيدون احتمالات اندلاع صراع مسلح برفضهم إقرار إجراءات أكثر صرامة. حال إخفاق جميع الخيارات الأخرى، في بداية عام 2010، ينبغي أن يعزز البيت الأبيض دراسته للخيار العسكري. وليس من الضروري أن يتضمن هذا الخيار توجيه ضربة عسكرية، ذلك أن فرض حصار بحري يمكنه المساعدة في ضمان فاعلية العقوبات المقترحة، مثل فرض حظر على واردات الغازولين.

إلا أنه في نهاية الأمر تبقى مسألة توجيه ضربة عسكرية لطهران بقيادة واشنطن خيارا ممكنا، وإن كان ينطوي على مخاطرة واضحة، يمكن اللجوء إليه كملاذ أخير.

ربما تشكل المحادثات المقرر إجراؤها الشهر المقبل واحدة من الفرص الأخيرة لتناول صعود الخطر النووي الإيراني بصورة دبلوماسية. وإذا اختارت طهران إهدار هذه الفرصة أيضا، فلن يكون من خيار أمام الرئيس أوباما سوى الوفاء بالتعهد الذي أعلنه في فبراير (شباط) بـ «استخدام كافة عناصر القوة الأميركية لمنع إيران من بناء سلاح نووي».

* دانييل كوتس: سيناتور جمهوري سابق من إنديانا

* تشارلز روب: سيناتور ديمقراطي سابق من فيرجينيا

* تشارلز والد: جنرال متقاعد وقائد في القوات الجوية خلال المراحل الأولى من «عملية الحرية الدائمة».. وقد اشتركوا جميعا في وضع تقرير قدم إلى «مركز سياسات الحزبين» بعنوان «مواجهة التحدي: الوقت ينفد» الذي صدر الأسبوع الماضي

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»