كازينو وول ستريت.. والعودة إلى سابق عهده

TT

بعد مرور عام على انهيار النظام المالي، والشعور بأن الأزمة المؤلمة قد انفرجت قليلا، أخذ عرافو وول ستريت يستعدون للعودة إلى ممارسة أعمالهم بالصورة السابقة نفسها، لكننا إذا سمحنا لهم بذلك لا ينبغي علينا أن نلوم سوى أنفسنا عندما تقع الأزمة المالية القادمة.

لم تعد إدارة أوباما والبنك الاحتياطي الفيدرالي يحظيان سوى بقدر بسيط من الثقة لإدارة الركود المروع بمهارة تحول دون تحوله إلى كارثة شاملة، فتلقت المؤسسات المالية «الأضخم من أن يسمح لها بالانهيار» كميات هائلة من أموال دافعي الضرائب، لكنها في الوقت ذاته حالت دون وقوع إفلاسات كبرى، فشركات السيارات، التي كانت ضحية الدمار الجماعي، تم إنقاذها بمبالغ ضخمة وعادت إلى الحياة مرة أخرى. ومع إفلاس ما يقرب من 100 بنك هذا العام ـ مقارنة بـ28 عام 2008 وثلاثة عام 2007 ـ لم تضع أموال المودعين.

على الرغم من ذلك، فقد ازدادت المؤسسات المالية ضخامة. والآن وقد عاد الاقتصاد إلى سابق عهده بدأت أسواق الأسهم في استعادة بسمتها مرة أخرى، وأنا سعيد كأي أميركي آخر بارتفاع مؤشر «داو جونز»، لكن أحدا ما بحاجة لأن يمسح تلك الابتسامة العريضة من وجه «وول ستريت»، لسبب وحيد، وهو أن بقية البلاد تبتسم بالكاد، أو ليس بعد على الأقل.

لكن الخبر الجيد هو أن هناك 20.000 أميركي أو نحو ذلك فقط يفقدون وظائفهم شهريا مقارنة بأكثر من 700.000 وظيفة شهريا بداية هذا العام. والبطالة تقف عند 9.7% ولا تزال في ارتفاع مستمر، وعلى الرغم من الزيادة الطفيفة التي تسير بها، فإنها قد تتجاوز 10%. أما سباق سوق الأسهم فتعاطف محدود جدا لعامل تسلم إشعارا بفقد وظيفته.

يعتقد كثير من الاقتصاديين بإمكانية حدوث أزمة اقتصادية جديدة، ويشيرون إلى أن سوق العقارات ربما تواصل انخفاضها، لكن لا بد من وجود العقارات التجارية، وعند هذه النقطة يثار تساؤل عن الفرق الذي يمكن أن يحدثه تريليون دولار آخر. حتما سنشعر بها، ولكن ليس بصورة جيدة. ولدي اعتقاد بأن العاملين على حل الأزمة في الخزانة وفي البنك الاحتياطي الفيدرالي سيعملون على تهوين حجم الألم الذي سنمر به. وما لا أعتقده هو رغبة الرئيس أوباما وفريقه في التفكير، أكثر من التنفيذ، في إحداث أي تغيير جذري في الطريقة التي تعمل بها وول ستريت.

وحتى مع المقترحات التي يقدمها الرئيس فسيظل لدينا موقف لا يزال فيه الجزء مسيطرا على الكل؛ فالجزء هنا هو النظام المالي والكل هو الاقتصاد. إن الدور النظري الأمثل لوول ستريت هو توزيع المال بكفاءة على الشركات التي تستطيع استغلاله الاستغلال الأمثل، لكن الدور الفعلي لوول ستريت أشبه ما يكون بكازينو كبير يكافأ فيه المراهنون الذين يقدمون على مخاطر شائنة وغير عقلانية بأخذ أموال أشخاص آخرين، فإذا ما ربحت تلك الرهانات يفوز المقامر وإذا ما اتضح أن تلك الرهانات بعيدة المدى كانت حمقاء فنحن أول من يخسر.

وقد قال الرئيس أوباما في خطابه في وول ستريت: «إننا لن نعود إلى ذلك السلوك المتهور والمجازفات غير المحسوبة. فالأساليب القديمة التي أدت إلى الأزمة لا يمكن تقبلها». وأشار إلى أن برنامج الإصلاحات التشريعية المقترح مبني على تعزيز المزيد من الشفافية والمحاسبة ولا يمكن لأحد أن يعترض على ذلك. لكن كبرى شركات وول ستريت المفلسة شفافة بما يكفي لكي يراها الجميع، فقد خلق أقطاب صناعة المال أدوات مثل المشتقات ومقايضة الائتمان المتعثر، وشجعت السوق هذه الأدوات الدخيلة لكي تنمو بصورة أكبر من السوق في الأسهم الفعلية في الأسواق الحقيقية. وقد أنفقت الشركات المالية ملايين الدولارات لتطوير برامج جديدة يمكنها شراء وبيع الأوراق المالية ـ النوع الحقيقي أو النوع الدخيل ـ بفارق ثانية عن برامج منافسيهم، ومن ثم تولد هامش ربح أعلى على كل نطاق. كيف يمكن لأي من هذا أن يضخ رأس المال في النواحي التي تقدم من أعلى وأفضل استخدام؟ كيف يمكن لأي من هذا أن يفيد الاقتصاد؟

التعويضات هي المظلة الأشمل؛ تلك الكميات اللامعقولة من المال التي دفعها وول ستريت لأقطابه اللامعين على ارتكاب مخاطر غبية بنقودنا، وأنا لا أرى كيف يشكل ذلك فارقا عن السرقة وأنا لم أسمع شيئا من أوباما حول محاولة استعادة أموالنا مرة أخرى. لكن رواتب المديرين التنفيذيين مسألة ثانوية.

الحدث الرئيسي هو جعل وول ستريت يخدم الاقتصاد مرة أخرى بدلا من أن يخدم الاقتصاد وول ستريت، فوضع كاميرات مراقبة حول الكازينو ليس كافيا.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»