عصابات إجرام

TT

جرّب ذات يوم بعيد صديقنا الصحافي السعودي محمد مسلم الفايدي أن يلعب دور شحاذ أمام أحد المساجد الكبرى بجدة، وكانت حصيلته مئات الريالات خلال ساعات محدودة، ونشر تحقيقا موسعا أشار فيه إلى أن ما كسبه في ساعات من الشحاذة يساوي دخل أيام عديدة من الاشتغال بالصحافة، وأوشكنا حينها أن نقدم استقالاتنا للصحف التي كنا نعمل بها، ونقتسم مساجد المدينة بيننا بالتساوي، لكن أبت الشقاوة أن تفارق أهلها وبقينا صحافيين.

تذكرت تلك الحكاية القديمة التي يرجع تاريخها إلى ما قبل زمن الوفرة المالية، وأنا أتأمل «فاترينات» عروض التسول في شوارع جدة خلال أيام العيد، واحد مجدوع الأنف، وآخر مقطوع الذراع، وثالث مفقوء العينين، ورابع مبتور القدمين، وخامس، وسادس، وسابع، وإلى ما بعد الألف، وجميعهم ضحايا عصابات إجرام، وصنّاع عاهات في الخارج، يأتون بهم كل عام في مواسم التسول من مناطق أفريقيا الفقيرة لينثروهم في الشوارع في ظاهرة مأساوية خطيرة، ومما نشرته الصحافة قبل بضعة أعوام صورة طفل نيجيري «9 سنوات»، تم القبض عليه متسولا، ومخالفا لنظام الإقامة في السعودية، ليعود من جديد بعد عام بذراع واحدة، فصنّاع العاهات أرادوا له أن يأتي هذه المرة بـ«نيو لوك» يثير الشفقة أكثر وأكبر، وقد رفض الطفل المسكين عند القبض عليه الإشارة إلى الذين فعلوا به ذلك لأنه يدرك حجم المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها وأسرته في بلده، لو أباح للسلطات بشيء من المعلومات عن تلك العصابات، وزعاماتها، وعملائها.

وخلاصة الأمر، أن القضية لم تعد قضية تسول ومتسولين، ولكنها مسألة خطيرة تتصل بعصابات الجريمة المنظمة، وتلك العصابات تستهدف البلاد، وتستغل ظروف الحج والعمرة لضخ المزيد من هؤلاء الضحايا، وستكبر كرة الثلج هذه يوما بعد يوم، وسنة بعد أخرى إن لم يواجه الخطر بأقصى درجات الحسم، فمن الخطأ أن نظن أن نشاط تلك العصابات يقتصر على التسول، فما التسول في تقديري إلا جزئية واحدة من نشاط عام ومتسع قد يشمل السرقة والشعوذة والتزوير وكل ما يخطر على بالنا وما لا يخطر. فماذا نحن فاعلون؟