هو من قال هذا

TT

في المقابلات وفي المحاضرات وفي اللقاءات، يطرح سؤالا لا تغيير فيه: ألا تعتقد أن ثمة مؤامرة علينا؟ ويكاد الجواب يكون واحدا أيضا: هذا عالم يتآمر على بعضه البعض منذ الفراعنة. من الغباء ألا نعتقد أن عشرين جهة، على الأقل، تدبر 20 مؤامرة في 20 اتجاها.

ولكن من الغباء أكثر ألا ندرك أننا أدوات هذه المؤامرات، وأن أسوأ وأدهى المؤامرات هي ما نفعله بأنفسنا. فالمؤامرة التي يديرها العدو أو الخصم أمر متوقع واحتمال دائم، أما هذا الفكر التآمري والثقافة العدائية والكره والضغينة فهي أهم العناصر التي تتغذى بها المؤامرات.

أوضح ما قرأت في هذا الشأن، وقد قرأته وأنا لا أصدق أنه قيل، وإذا قيل فلا أدري كيف كتب، هو الكلام الذي قاله شارل ديغول، لوزيره آلان بيرفيت، ونقله في كتابه «هذا ما كان ديغول» وهو عبارة عن مجموعة نصوص حرفية. يقول ديغول لبيرفيت، 23 تشرين الأول، 1963: «سوف تضحك لهذا القول، ولكن يجب أن يتخانق المصريون مع السوريين، والسوريون مع الأكراد، إلى آخره. منذ ألفي عام وهم هكذا. عندما كنا هناك بقوة، استطعنا أن نفرض الصمت. ثم استداروا ضدنا. والآن لم يعد في الإمكان أن نكون الملامة، فإنهم يتجهون ضد بعضهم البعض».

«لا. يجب ألا نعلن حيادنا في نزاعاتهم. هذا خطأ. سوف نساعد المغاربة بتزويدهم بالأسلحة، ونساعد الجزائريين بأن نضع في تصرفهم قاعدة كولومب ـ يشار الجوية. نساعدهم على أن يقتتلوا، ومع ذلك نتظاهر بأننا على الحياد». «وفي أي حال لم تكن هناك حدود حقيقية في جنوب المغرب أو في جنوب الجزائر. لذا لا بد أن يحاولوا الحصول على شيء من الرمال لا قيمة له».

مرة أخرى، 6 تشرين الثاني 1963، يسأل بيرفيت الجنرال ديغول، إن كان يعتقد بأن وقف إطلاق النار على الحدود الجزائرية ـ المغربية سوف يصمد. نص الجواب:

«آه، طبعا لا. إنهم يحبون البنادق. ويحبون استخدامها دون إلحاق الكثير من الأذى. يحبون إطلاق النار في الهواء. هذه هي الفانتازيا العربية. أما المراكز الحدودية التي احتلت ثم احتلت من جديد، في فيقيف، وحاسي بيضا وتندوف، فهذه فانتازيا. أما أهمية الحادث على الصعيد الدولي فليست أكثر من اصطدام قطارين في نفق».

«تسألني إن كان الروس أو الكوبيون سوف يتدخلون. لا. كل هذا كلام مخادع في الهواء. فالكوبيون لديهم في الداخل ما يكفيهم من المشاكل، والروس اكتشفوا أن أفريقيا وكر دبابير، من الأفضل عدم الاقتراب منه كثيرا».