خفر العذارى

TT

قديماً كانوا إذا أرادوا أن يدللوا على فتاة يكتسيها الذوق والأدب كانوا يقولون: إن بها شيئا من (خفر العذارى) ـ كناية عن الكسوف أو الخجل. وكانت الفتيات في ذلك الزمن (الرومانسي) كزغب القطا ـ أي كصغار طيور القطا ـ يرتجفن ويرتعشن من أي لمسة أو كلمة أو نظرة أو حتى نسمة.

أما فتيات اليوم فأغلبهن والعياذ بالله أصبحن (كالحمر المستنفرة) لا يخضعن لأي مقاييس، وقد خبرت ذلك بنفسي في عدة مواقف ـ وأنا ولا فخر سيد المواقف ـ، منها على سبيل المثال قبل عدة أسابيع عندما كنت في خارج البلاد، وجمعتني مناسبة اجتماعية حميمة في أحد المجالس، وكان الصالون الكبير مزدحماً بالرجال وثلاثة أضعافه من النساء من كل شكل ولون وجنس ـ أي أن فيهن (الخواجيات) والعربيات كذلك ـ.

واستأثر بأغلب الكلام رجل توسم بنفسه خفة (الطينة) ـ أي خفة الدم مع خفة العقل كذلك ـ وبدأ يتحفنا بأحاديثه وذكرياته ومغامراته ونكاته، وكلها تقريباً لا تخدش الحياء فقط، ولكنها تسفح دمه من الوريد إلى الوريد، وكلما ألقى علينا (قنبلة)، كانت النساء يفرقعن بالضحكات الصاخبة ويطالبن بالمزيد، ولم أشاهد على وجه أي واحدة منهن أي ريحة (لخفر العذارى) الذي يذكرونه، مع أنني على يقين أن أغلبهن كن غير متزوجات، فهل معنى ذلك أن الحياء أو الخجل قد (اتكل على الله) ودفن تحت الأرض؟! لا أدري مع أنني والله قد خجلت من استرسال ذلك الرجل بترهاته، والدليل أنني تدخلت أكثر من مرة لتحويل دفة الحديث وتغيير الموضوع إلى ما هو أجدى وأفيد، فأواجه من النساء تحديدا بالاعتراض، إلى درجة أن إحداهن قالت لي: يا ثقل دمك، يا ليتك) تنطم)، بل إن إحدى (الخواجيات) اكتفت بكلمة واحدة عندما قالت لي بوجه متجهم (up Shut)، أما إحدى الخليجيات وكانت أبلغهن تعبيراً عندما التفتت نحوي بغضب وفردت أصابعها الخمسة في وجهي قائلة: (كش).

عندها لم أملك إلا أن (ألزم حدّي) وأنزوي في مكاني كأي قط أليف، وخرجت بعدها منسلا من المجلس مثلما تنسل الشعرة من العجين، ولم يلاحظ أحد من الحاضرين خروجي، ولم يقل أحد لي: مع السلامة، ولا أستبعد أبداً أنهم كسروا من ورائي (قلّة)، ولكي أكون منصفاً لا بد وأن أؤكد أن بعض النساء لسن هن على شاكلة تلك النساء اللاتي جلست معهن في ذلك المجلس، بل إن بعض النساء يكتنفهن الخجل بطريقة عنيفة ومبالغ فيها، مثل تلك الفتاة البائعة في أحد محلات الملابس في بلد عربي، عندما تحدثت معها وطلبت منها قميصاً كي أقيسه، وذهبت وأحضرته وقدمته لي بيد مرتجفة ووجهها منكّس على الأرض، وكلما سألتها سؤالا احمر وجهها ولم تجبني من شدة الخجل، وعندما أعيد عليها سؤالي تعض على إصبعها ولا تقول لي غير كلمة واحدة: مكسوفة، مكسوفة. وعندما فاض بي الكيل اضطررت أن التفت إلى زميلها البائع القريب منا قائلا له: الله (!!) وبعدين مع هذه البنت؟! التي كلما سألتها أجابتني أنها مكسوفة، فقال: اعذرها يا بيه فهي صغيرة ولم تدخل الشغل إلا قبل عدة أيام، ولم تتعود بعد على كثرة الأسئلة غير المهضومة.

طبعاً عذرتها، وقلت لها: شدي حيلك يا حلوة، واغسلي وجهك في نهاية الدوام، وخرجت من المحل دون أن أشتري القميص.

على أية حال ثبت علمياً وميدانياً أن الكسوف أو احمرار الوجه يحدث دائماً في مثل هذه الحالات، بل إنه تأكد عند بعض القبائل التي يعيش أفرادها عراة، أنه فوق أن الاحمرار يحدث في الوجه والأذنين والجزء الأعلى من الصدر، فهو أيضاً يحدث أحياناً في كل الأعضاء بما فيها البطن والردف والذراعين أيضاً.

وهذه حقيقة علمية لا أكثر ولا أقل، ومن أراد أن يتأكد فليتأكد، فلم آتِ بشيء من عندي.