قل لي: كيف تحكم بين الناس؟!

TT

زمان.. زمان.. طلبت من الأمير سلمان أمير الرياض أن أعرف وأرى كيف يلتقي بالشعب ويحل مشكلاته. فأخذوني إلى قاعة واسعة جدا. وفى جانب من القاعة جلست إلى جانب الأمير والجنود أمامي في صفين.. وبسرعة جاء من طلب إليّ أن أنتقل إلى مكان بعيد عن الأمير.. فهذه ليست جلسة وإنما هي محكمة والأمير هو القاضي ولا أحد يجلس إلى جوار القاضي..

وجاء أصحاب الشكاوى واحدا واحدا. والأمير يقرأ الشكوى ويؤشر عليها ويعطيها لأحد الجنود فينطلق إلى حيث وجهه الأمير.

والأمير اتخذ شكلا صارما حاسما. فطلبت أن يكون موقعي أقرب لكي أسمع ماذا يقولون. واستمعت ولم أفهم كلمة واحدة. لا بد أنها لهجة بدوية. وتبدو لي كأنها أصوات الطير بلا حروف.. لا فهمت ما يقول الأمير ولا ما يقوله الشعب.

وأذكر أن رجلا جلس بعيدا واضعا ساقا على ساق. ولست على يقين إن كان دخّن في حضرة الأمير. وجاء من يقول لي: إنه لا يريد أن يذهب إلى الأمير. وإنما يجب أن يجيء إليه الأمير فقد كان أبوه الملك عبد العزيز يفعل ذلك. ورأيت الأمير سلمان يذهب إليه. والرجل قد نظر إلى الأرض واعتدل في جلسته. وقال ما لم أفهم. ولاحظت ابتسامة ودهشة أخفاها الأمير في الوقار الضروري لهيئة القاضي والأمير.

وأخذ الأمير شكواه وأعطاها لأحد الجنود. وانطلق بها. ويبدو أن هناك مشكلة أخرى. وجاء من يقول لي: إن الرجل لن يذهب إلا إذا تأكد أن شكواه قد انحلت، وأن هذا بالضبط ما تنتظره قبيلته التي تعيش في مكان لا أعرف اسمه. وظل الأمير واقفا والرجل جالسا لم تتغير ملامح وجهه وجاء الرد على شكواه. وأخذ الرجل الورقة التي تؤكد له هذا المعنى ومعلومات أخرى..

ورأيت الرجل قد قام ولم يوجه للأمير شكرا، فهذا واجب عليه. ولا شكر على واجب. فقد كان الملك عبد العزيز يحل المشكلات ولا يتوقع من أحد شكرا على ذلك..

ورفعت الجلسة وذهب الأمير كأنه لا يعرفني أو كأنني لست موجودا.. إنه القاضي وأنا أحد الحضور!

(من مذكرات لم تنشر بعد)