قضية فان جونز

TT

لقد نعت فان جونز قيصر الوظائف الخضراء في البيت الأبيض، والذي أصبح مغضوبا عليه، الجمهوريين بأنهم «حمقى». حسنا.. إنه أمر مخيف. لقد قلت أسوأ من ذلك عن الديمقراطيين. وقلت أسوأ من ذلك عن الجمهوريين. بل قلت أسوأ من ذلك عن أعضاء في عائلتي (إنكم تعرفون أنفسكم).

كم أصبح من الصعب إرضاؤنا؟ أليس من المسموح لنا وضع بعض الملح على وجباتنا اللغوية؟

ولكتابتي عمود يمدح الاستخدام البليغ من جانب نائب الرئيس تشيني للكلمات التي تبدأ بحرف الفاء، فإنني أهب دفاعا عن جونز أيضا. ولكنني لا أستطيع إنكار أن اختيار جونز الخاص للكلمات لم يكن به تلك الكلمات التي تتكون من مقطع واحد، أو الكلمات التي توحي حروفها بمعانيها، أو تلك الجاذبية المتفجرة لكلمات تشيني. ولكن المرء لا يقال من عمله بسبب أسلوبه. وكانت هناك تهمة أخرى وهي أن جونز شيوعي. ففي أميركا اليوم، يعتبر كون المرء شيوعيا مجرد تظاهر ولا يكون ذلك عن اقتناع. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فإن الماركسية قد أضحت مجرد تذكار، وقد تقلصت إمبراطوريتها إلى حدود دول معدودة: كوريا الشمالية، وكوبا وأقسام اللغة الإنجليزية في أكثر الجامعات الأميركية ثراء.

وعلى أية حال، فإنه من المسموح به لأي إدارة أن يوجد اثنان من المجانين بين المعينين الذين يبلغ عددهم 8.000. فما دام أنهم غير مسؤولين عن السياسة الخارجية أو الفيدرالية، فمن يكترث؟

وقد شعر نقاد آخرون بالصدمة لاتهام جونز «البيئيين البيض» بأنهم «يوجهون السم إلى أفراد الأقليات الملونة».

وفي الحقيقة، ومن وجهة نظر عالمية، فإن جونز على صواب. فالبيئيون ـ وغالبيتهم من البيض والطبقة الوسطى والعليا ـ قد منعوا الحفر بعيدا عن الشواطئ وفي المحمية القومية للحياة البرية في القطب الشمالي. فمن أين تعتقدون يحصل العالم على البترول المفقود؟ من الشعوب الفقيرة والمستغلة والمسممة في دلتا النيجر وحوض الأمازون وغير ذلك من مناطق العالم الثالث الأكثر قذارة والأقل تشريعا.

ويؤيد البيئيون جميعا مزارع طواحين الهواء، حتى يجيء أحدهم ويقول إنها ربما سوف تفسد نقاء المناطق الواقعة بالقرب من نانتوكيت ساوند. وبعد ذلك فإن الطاقة النظيفة سوف تكون لك وليس لي. وقد كانت عبقرية جونز الفكرية تتلخص في تقويض القلق الليبرالي ـ فهم يدركون نفاق مفهوم إبعاد المباني الجديدة عن المناطق السكنية ـ من خلال بيعهم «الوظائف الخضراء» حتى يشعروا بمزيد من الرضاء عن أنفسهم. ولهذا السبب كانت وقفة جونز حتى الآن. ولهذا السبب كان هو ذلك النجم «المتألق». وكما يقول مساعد أوباما فاليري غاريت «لقد كنا نراقبه» وكنا شغوفين بتوظيفه في البيت الأبيض.

ولكن لم يعد ذلك ممكنا بعد الآن. لماذا؟ لقد ذهب لسبب واحد وسبب واحد فقط. ولا يمكنك توقيع عريضة تطلب فيها ليس تحقيقا واحدا بل أربعة تحقيقات بشأن تعمد إدارة بوش السماح بهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ـ أي أنها تعاونت في أسوأ كارثة تحل بالأراضي الأميركية ـ فهل يظن أنه مسموح بوجوده وسط المجتمع المهذب، فضلا عن أن يحصل على وظيفة كبيرة في البيت الأبيض.

وخلافا للأمور الأخرى (انظر ما سبق) فإن هذا الأمر ليس أمرا تافها. فهو يتخطى الراديكالية والشراكة. وهو يأخذنا إلى عالم الهوس السياسي وهو عالم خطر. وفي أميركا، فإن الحركات والأحزاب مطالبة بمراقبة المتطرفين فيها. وقد قام بيل بوكلي بعمل ذلك مع أصحاب عصا التهذيب. وعلى الليبراليين عمل ذلك مع «مدعي الحقيقة».

ولم يعد ممكنا أن يكون هناك مدعي حقيقة في البيت الأبيض، أكثر من وجود منكر للهولوكوست ـ الشخص الذي يختلق حقيقة بديلة غير واقعية خدمة لحقد لا حدود له.

لكن الحقيقة لا ترهب المدافعين عن جونز. فقد أخبر مصدر في إدارة أوباما ايه بي سي أن جونز لم يقرأ عريضة 2004 بدقة، وهو العذر الذي كرره هوارد دين.

لم يقرأ بدقة؟ لقد طلبت العريضة فتح تحقيق بتهم أن «بعض الأفراد داخل إدارة بوش الحالية ربما سمحوا عن قصد بوقوع هجمات 11/9 وربما يكون ذلك لاستخدامها كذريعة للحرب».

فأين إذن ما يمكن أن يكون خطأ مطبعيا؟ وأين تعقيد النص؟ وأين الغموض؟ فطفل صغير في المرحلة المتوسطة يمكن أن يقول ما جاء في هذه العريضة تماما. فهل يعجز خريج جامعة ييل عن أن يفعل ذلك؟ ومع ذلك فليست هناك حاجة للقلق بشأن جونز. فقد قام بنقلة مهنية كبيرة. وقد تحول من ساذج على الهامش إلى شهيد ليبرالي. لكن أتعاب محاضراته قد تضاعفت فقط. وباتت المسألة مسألة وقت قبل أن يكون له برنامج خاص على ام اس ان بي سي.

ولكن في الذكرى الثامنة لهجمات 11/9 ـ في اليوم الذي لم يكن فيه مدعو الحقيقة بيننا، ولم يكن هناك غير الأميركيين الذين أذهلتهم صدمة المؤامرة على المواطنين ـ فإن هناك احتراما لذكرى ذلك اليوم يحتم علينا أن نطلب بأدب من مدعي الحقيقة الذين يدنسونها بجنون، أن يرحلوا. وعلينا جميعا أن نطلب ذلك.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»