النكسة واليونسكو

TT

خسر وزير الثقافة المصري معركته «الشرسة» على رئاسة منظمة اليونسكو، بعد أن كانت مؤشرات الجولات الأولى تقول إن فرصة فوزه قوية جدا، إلا أن أحداثا معينة تطورت وتكتلات فعلت لتغيير النتيجة لصالح المرشحة البلغارية. وليس سرا أبدا أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية كانت لديها تحفظات كبيرة على ترشح فاروق حسني أساسا ومخاوف كبرى من احتمال فوزه، ساعد ذلك حملة التخويف التي قام بتنفيذها اللوبي اليهودي مع الدول الغربية المؤثرة متهمة فاروق حسنى بمعاداة السامية بشكل كوميدي ومضلل. بعيدا عن كل الهرج والمرج الذي صاحب تصويت اللحظات الأخيرة ونظرية المؤامرة وملامحها الحقيقية يستحسن الوقوف بتأمل وحكمة لتحليل ما حدث بدون تشنج وعواطف. أولا ما هو دور وثقل منظمة اليونسكو في العالم اليوم؟ اليونسكو في الواقع منظمة تضاءل حجمها وتآكل نفوذها بشكل لافت ومثير، ولم يعد لها ذاك الثقل النافذ حالها من حال الأمم المتحدة التي توظف «بعض» قراراتها وسياساتها بطبيعة المتبني لتلك القرارات وحجم الدول التي تتمناها ونوعية المصالح التي تسعى من أجل تحقيقها من خلال هذه القرارات.. المنصب نفسه: المنصب هو شرفي تماما فاليوم هناك شركات إنتاج إعلامية لها تأثير مباشر على الحراك الثقافي في العالم أهم من عشرات مثل منظمة اليونسكو ولا شك.

ليس هناك «فيتو» بالمطلق على اختيار عرب أو مسلمين لمناصب كبرى، وإلا ما كنا رأينا بطرس غالي ومحمد البرادعي وغيرهما في مناصب قيادية كبرى، وإن كان لا بد من التذكير أن ما يمارس ضد العرب والمسلمين هو تحفظات مبالغ فيها بشكل واضح. وإذا دخلنا في تفاصيل أكثر وأدق فإن من يتبوأ منصبا كمدير لليونسكو يجب أن يكون من بيئة ثقافية تحترم حقوق الملكية وتقدر الحرية وتوسع من مساحة الإبداع والابتكار والانفتاح على الأمم، وأن يكون ممارسا لذلك، وإذا كان بعض المرشحين لا ينطبق عليهم ذلك، وبالتالي يجب محاربتهم، فأيضا من باب أولى عدم السماح لحجة معاداة السامية من دولة تكرس الفئوية والعنصرية من خلال إعلان «يهوديتها» بالمطلق دون اعتبار لحاملي الجنسية فيها من أصحاب الديانات الأخرى من مسلمين ومسيحيين وبهائيين ودروز وسامريين، إنها وقاحة ما بعدها وقاحة تمارس بزعامة الحاصل على جائزة نوبل للسلام إيلي فيتزل الذي قاد حملة عدم التصويت للمرشح المصري فاروق حسني وكان أول الفرحين بخسارته. فلسطين لن تحرر ولن يكون للعرب مدير لليونسكو وغير ذلك من الأحلام طالما كانوا لا يزالون غير قادرين على إتمام شبكة للصرف الصحي أو تنظيم المرور أو إيقاف الفساد الهائل ومنع المظالم وغيرها من التجاوزات. سلم الأولويات في خلل كبير، وطالما أننا نختار معارك للخوض فيها ونحن نعلم أن خسارتنا فيها واردة جدا نظرا لقصور الأعداد وتصور الهدف المنشود فلن تكون النتيجة مفاجأة، بل سوف تكون مؤكدة لما آلت إليه الأمور. ما يكتب عن اليونسكو 2009 يشبه ما كتب عن نكسة 1967، كلمات كبيرة تستخدم لوصف ما حدث، نفس الخطاب ونفس المقال! كلمات كالعار والنكسة والهزيمة والمؤامرة والمأساة والحرب المباغتة والانتكاسة والصدمة، والغريب أن نفس الكلمات لا يتم ترديدها في مناسبات محلية تتعلق بمحاور تفيد حياة الناس وتحسن معيشتهم بشكل واضح وملموس. خسارة فاروق حسني لمنصب رئاسة اليونسكو حتما ليست نهاية العالم، ومن المؤكد أنها لا يجب أن تصور كذلك. والعرب لم يخسروا بخسارة حسني، ولكنهم يخسرون بسماحهم لحياتهم أن يتسيدها الظلام والجهل والتطرف والفساد، وهذه فعلا المعركة الكبرى التي لا تحتمل أنصاف حلول.

[email protected]