عن الأونيسكو وأخواتها

TT

كتب الزميل مأمون فندي يوم الاثنين ينتقد معركة مصر في الأونيسكو على أساس أن لا طائل تحتها لأن موازنة المنظمة كلها لا تتجاوز نصف مليار دولار، كما انتقد، في ما انتقد، دور الدكتور بطرس غالي في الأمم المتحدة، وتساءل، ماذا استطاع أن يفعل خلال عهده لفلسطين. وليسمح لي الزميل العزيز بشيء من النقاش.

أولا ماذا كان يمكن لبطرس غالي أن يفعل خلال 5 سنوات مما لم تفعله الدول والشعوب العربية وجيوشها وكتلة عدم الانحياز والصين والاتحاد السوفياتي، خلال 50 عاما؟ ومع ذلك فعل بطرس غالي الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يفعله: كشف مجزرة قانا وواجه فظاظة المسز أولبرايت التي نقضت قرار 14 دولة من أصل 15، بينها بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، لكي تطرد بطرس غالي. ولعل هذا إنجازه الوحيد في الحياة، لكنه كاف.

وأما أنه «نزل» من أمين عام إلى رئيس لجنة حقوق الإنسان في مصر فهذا ارتقاء شديد وليس نزولا ولا هو وظيفة ميري. يقابل ذلك في عالم المال تبرع بيل غيتس بنصف ثروته لعمل الخير، أو ختم الحياة السياسية المضطربة بعمل نبيل ومطلق.

النقطة الأخرى موازنة الأونيسكو ومقارنتها بموازنة شركة خليجية وماذا تستطيع أن تفعل للعالم العربي. المقارنة جائرة لأن الأونيسكو ليست شركة مخازن أو هواتف. إنها أعظم مؤسسة ثقافية حضارية في العالم، غايتها الإنسان وهدفها الإنسان ومسرحها مسرح اللقاءات الإنسانية في الفنون والآداب والثقافات. وتقييم هذه المؤسسات لا يتم وفقا لمقاييس مجلة «فوربس»، بل وفقا لما قدمته ـ على سبيل المثال ـ لدولة في مثل حضارة مصر وكنوز مصر التاريخية، وهو ربما يوازي، ما قدمته وزارات الثقافة المصرية المتعاقبة، لحضارة النيل، في هذا الباب بالذات.

الأونيسكو جسم ثقافي معنوي يفترض أنه يجمع أرقى الطاقات الثقافية في العالم ويرعى أرقى النشاطات الثقافية ويشكل أهم مرجع ثقافي في العالم. وهو بذلك ليس دائرة ميري مثل شرطة إمبابة أو دائرة السكة الحديد في إسكندرية. ولو لم يكن الدكتور فندي رجلا أكاديميا وعاملا في حقل لا يقاس بالموازنات لما استدعى الرد.

يبقى التقليل من أهمية منصب الدكتور محمود البرادعي ومدى فعاليته. ولا يلحظ الزميل الكريم أن أهم قضية مطروحة على الإنسانية والبشرية اليوم هي القضية النووية. وقد لعب الدكتور البرادعي ببراعة وكرامة ورقي دوره الدبلوماسي. وحوّل الدور من مفتش إلى دبلوماسي. ومن موظف إلى حكم دولي. وهذه كلها مناصب تزيد في سمعة مصر وليس من الضروري أن تزيد في دخلها.