ماذا سيفعل بنا العلم؟!

TT

هل ستكون سنوات النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين سنوات عري الإنسان؟! هل سيعود الإنسان عاريا كما بدأ؟! مع مراعاة الاختلاف بين عري وعري، فالإنسان في الماضي تعرى ـ مضطرا ـ ظاهريا، أما الإنسان القادم فقد يتعرى داخليا، الإنسان الأول تعرى جسديا، أما الإنسان الآتي فلربما يتعرى فكريا، ذلك ما خطر ببالي، وأنا اقرأ خبرا عن دراسة علمية تؤدي إلى تصميم كومبيوترات تتحكم بالأفكار، واقتراب العلماء من معرفة بعض ما نراه بقراءة عقولنا، ودعونا نتخيل ـ مجرد تخيل ـ أن العلم حقق جدلا المزيد من الاقتراب في محاصرة العقول، وانكشف المستور، وظهر وبان، وغدت قراءة بعض ما يدور في العقول علما مشاعا.

من المؤكد أن أول «فن» سيمحى من الأرض ـ لو تحقق ذلك ـ «فن» المديح الزائف، وأن أكثر الذين سيتورطون هم أدعياء العشق، فسيكون بمقدور الجميلات أن يخرجن من حقائبهن أجهزة كشف الكذب لقياس مدى مصداقية العشاق، وسيتمكن الأبرياء من كشف حيل النصابين ومؤامراتهم، وسيكون المجد ـ يومها ـ حكرا على النبلاء، والمعالي وقفا على الأنقياء، وسترد الأمانات إلى أهلها، والثقة إلى مستحقيها، سيكون كل إنسان كما هو بلا «ماكياج»، ولا رتوش، ولا خصوصية، وسينطبق حينها على الحياة المثل «على عينك يا تاجر».

في ذلك الزمن الافتراضي ستعرض فاترينات العقول الكثير من محتوياتها على قارعة الطريق أشبه بمتاجر «كل شيء بريال»، وستقع الطيور على أشكالها، فتصبح ثمة مجالس للفضلاء وأخرى للأشقياء، مدن للأنقياء وأخرى للخبثاء، عوالم للطيبين وعوالم أخرى للسيئين.

سألت صديقي الفيلسوف:

ـ ماذا ستفعل إذا أدركك مثل ذلك الزمان؟

حك أرنبة أنفه وقال:

إن أعظم دعاء يتوارثه الناس منذ زمن بعيد، هو الدعاء بحسن الخاتمة، ومن مصلحة الإنسان المعاصر أن يحسن الله خاتمته ويرحل متوهما كثرة الأحباب، ووفرة الأصحاب، قبل أن يأتي الزمن الذي تسقط فيه الأقنعة، فيكتشف أن كل ما تبقى له في زحمة الأهل والأحباب والأصحاب لا يتجاوز: واحد مات، وواحد فات، وثلاثة أو أربعة بالنيات.

خاتمة: سيتطور العلم، وقد يقترب من محاصرة الإنسان، ويبقى الله وحده «يعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ».

[email protected]