حل جديد؟

TT

بقدر ما تبدو صورة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة نتاج الهمجية والإرهاب الإسرائيلي المستمر (وهي كذلك) بقدر ما هو مطلوب الحفاظ على الحدود الدنيا من الأمل فهذا جدا مهم. وتبدو القيادة الفلسطينية عالقة ومحصورة تماما بين «ضعف» رئيسها محمود عباس وتدهور الأداء السياسي (وبالتالي الرضا الشعبي) لقادته، وما بين عناد حماس وتسليم أمر إدارتها لقوى أخرى تتحكم بها بوضوح تام لم يعد خافيا على أحد. وسط هذه الظلمات تأتي بارقة الأمل من قبل إدارة رئيس الوزراء سلام فياض، فالرجل تفرغ وانصرف لمحاولة تحسين أداء ورفع فعالية الجهاز التنفيذي للسلطة وتحقيق مطالب الدولة والمواطنين بأضعف الإمكانيات وأقل الوسائل.. لأن سلام فياض لديه فكرة أخرى في باله يسعى لتحقيقها وهي «الدولة المتطورة».

فكرة سلام فياض التي تتجاوز مباحثات السلام والمقاومة المسلحة تماما هي فكرة تعتمد أساسا على أن يقوم الفلسطينيون بتطوير أدائهم التنفيذي ليثبتوا للعالم أنهم قادرون وحدهم على إدارة شؤون دولتهم، ولعمل ذلك يجب عليهم أن يهتموا ويبنوا مؤسساتهم المختلفة التي تتطلبها أية دولة حديثة وإدارة كل ذلك بفعالية وأمانة وشفافية ومسؤولية، وهي متطلبات الدولة المدنية العصرية والديمقراطية والتعددية السياسية كما بات معروفا. ولم يكتف سلام فياض بخارطة الطريق الإدارية هذه، ولكن حمل نفسه مهمة صعبة وأهم وأدق وهي تعهده بمحاربة الفساد الذي استشرى بقوة وبشكل كبير، وتطوير وتحسين البنية الأمنية، وبصورة عامة العمل على تحسين فكرة الحكم الرشيد لإدارة الحكومات، بحسب المعايير والمقاييس الدولية المعروفة، وهو يعتقد (وفي ذلك هو محق تماما) أن الفلسطينيين لو نجحوا في عمل ذلك سيهزمون وبجدارة أي وجهة نظر معارضة ضد فكرة إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة. مشروع سلام فياض يستحق الدعم وبقوة لأن فيه «خيرا» ملموسا للفلسطينيين أنفسهم، وهو بيت القصيد. والطريف في الموضوع أن هذا المشروع ليس جديدا، ولكنه هو نفسه ما قام بعمله مؤسس دولة إسرائيل الحالية ديفيد بن غوريون عندما اهتم بتطوير الإدارات والمؤسسات التي كانت نواة الحكومة الإسرائيلية، وهو ما وضع الانتداب البريطاني ومن بعده الأمم المتحدة أمام الأمر الواقع، وبالتالي «قبول» الاعتراف بالدولة الإسرائيلية، ولكن الفرق الكبير والأهم (وهو التحدي الأدق الذي يواجه سلام فياض في هذه الحالة) هو أن إسرائيل لقيت دعما هائلا استثنائيا من دول محورية كبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعدهما روسيا، واليوم يلقى سلام فياض دعما خجولا من السوق الأوروبية يمكن البناء عليه، ولكن الخطر الأكبر يأتيه من المتطرف ليبرمان الذي يترأس وزارة الخارجية الإسرائيلية والذي «فهم» مغزى خطة سلام فياض، ووعد بأنه لن يسمح بإنجازها، وسيغير الأمر على أرض الواقع بالقوة (وهو رجل أحمق ومتطرف ومن المؤكد أنه سيقدم على ذلك). السوق الأوروبية والجامعة العربية وحدهما لن تكونا قادرتين على دعم السلطة الفلسطينية ومشروع رئيس وزرائها، ولا لديهما القدرة على مواجهة إرهاب الحكومة الإسرائيلية نفسها، وبالتالي يبقى خيار تدويل «مشروع» فياض كما حدث في مناطق أخرى حول العالم مثل تيمور الشرقية وكوسوفا وغيرهما لضمان عدم التدخل ووضع حد للتجاوزات. وأعتقد أن هناك مناخا عالميا مواتيا لمؤازرة خطوة كهذه تكفل العيش بكرامة وتطوير دولة الفلسطينيين وردع إسرائيل ولو قليلا.

[email protected]