وجهة نظر الاستخبارات الباكستانية

TT

يقع مقر إدارة جهاز الاستخبارات الداخلية الباكستاني، ذي النفوذ، في حي «أبقارا» في العاصمة الباكستانية. ويلعب عملاؤها الذين يصفهم الباكستانيون «أولاد أبقارا» دورا غامضا، وقويا في الحياة في البلاد. ووفقا لما يقوله أحد المسؤولين في الاستخبارات الباكستانية، يمتدد نفوذهم إلى دولة أفغانستان المجاورة.

وقد وافقت الاستخبارات الباكستانية خلال الأسبوع الماضي على أن تطلعني على بعض التفاصيل، وتضمن ذلك الحدث الاستثنائي حوارا طويلا يتسم بالحيوية مع الجنرال أحمد شوجا باشا، المدير العام للوكالة، بالإضافة إلى بعض اللقاءات بخبراء مكافحة الإرهاب بالوكالة. ووفقا للقواعد السرية، لا أستطيع الاقتباس عن أقوال «باشا» بشكل مباشر، ولكنني أستطيع أن أشير إلى الطريقة التي تنظر بها الوكالة إلى القضايا المحورية، بما في ذلك الحرب الأفغانية، والعلاقات المتوترة مع أميركا في بعض الأحيان.

فعلى مستوى العمليات، تتعاون وكالة الاستخبارات الباكستانية مع نظيرتها الأميركية، ويعمل المسؤولون في كلتا الجهتين معا كل ليلة على العمليات المشتركة التي يقومون بها في مواجهة تنظيم القاعدة في المناطق القبلية في باكستان التي ربما تكون المنطقة الأكثر خطورة في العالم. وقد ساعدت المعلومات التي قدمها جهاز الاستخبارات الباكستاني نظيره الأميركي على تنفيذ هجمات الطائرات من دون طيار «درون» التي أسفرت عن مقتل 14 ضمن 20 مستهدفا خلال السنوات القليلة الماضية.

ولكن على المستوى السياسي، توجد أزمة ثقة بين الجانبين؛ حيث تتخوف الولايات المتحدة من عدم مشاركة الاستخبارات الباكستانية لكل ما تعرفه من معلومات حول متمردي طالبان في أفغانستان. وفي نفس الوقت ينظر الباكستانيون إلى الولايات المتحدة باعتبارها حليفا لا يمكن الاعتماد عليه؛ حيث إنها تبدأ معارك لا تدرك كيفية الخروج منها.

ويمثل الجدل حول الاستراتيجية الأفغانية الجديدة التي قدمها الجنرال ستانلي ماكريستال اختبارا لتلك الشراكة الهشة، حيث يعتقد قادة الاستخبارات الباكستانية أن الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل الخسارة في أفغانستان، كما أنهم يخشون حدوث فراغ أمني هناك وهو ما يمكن أن يعرض باكستان للخطر، كما أنهم يتخوفون في الوقت نفسه من أن تؤدي زيادة عدد القوات ـ التي يمكن أن تصل إلى 40 ألف من القوات الإضافية كما يريد ماكريستال ـ إلى عكس المطلوب منها. ويعتقد المسؤولون في الاستخبارات الباكستانية أن واشنطن يجب أن تنظر بواقعية إلى أهداف الحرب، فإذا عرفوا النصر باعتباره القضاء على حركة طالبان، فلن تنتصر الولايات المتحدة أبدا، ولكنهم يمكن تحقيق انتصار إذا ما حددوا هدفا أصغر مثل تحقيق استقرار سياسي مبدئي وإذا ما تحلوا بالصبر.

ومن وجهة نظر الاستخبارات الباكستانية، ترتكب أميركا خطأ جسيما نظرا لأنها تحاول حل كل المشكلات بنفسها. ففي أفغانستان، يجب على الولايات المتحدة أن تتعاون مع الرئيس حامد كرزاي الذي، رغم كل عيوبه، يتمتع بميزة فريدة يفتقر إليها الخبراء الاستراتيجيون الأميركيون، وهي أنه أفغاني. ويقترح المسؤولون بالاستخبارات أن يستفيد كرزاي من القلاقل التي أعقبت الانتخابات من خلال الدعوة لوقف إطلاق النيران حتى يتمكن من تشكيل حكومة ذات قاعدة كبيرة تشتمل على ممثلين لحركة طالبان.

ويقول المسؤولون إنهم يريدون مساعدة أميركا على المصالحة السياسية في أفغانستان، ولكنهم يؤكدون في الوقت نفسه أنهم لكي يستطيعوا تحقيق ذلك، يجب على الولايات المتحدة تغيير موقفها ـ الانتقال من «موقف الحاكم» إلى «موقف الداعم» ـ حتى يمكنها سماع الأصوات الأفغانية.

وتثير شكوك الأميركيين بشأن احتفاظ الاستخبارات الباكستانية بمعلومات حول حركة طالبان أو إخفاء بعض هاربيها غضب قادة الوكالة، حيث يقولون إن الباكستانيين هم أكثر المتضررين من انتصار طالبان في كابل، لأن ذلك يمكن أن يزيد من قوة حركة طالبان في باكستان، التي تمثل فيها النسخة الباكستانية من محمد عمر، التي تعتبر لعنة بالنسبة لهم.

وبالنسبة للمزاعم الأميركية بأن الاستخبارات الباكستانية تقيم صلات مباشرة بسراج حقاني أحد الحلفاء الرئيسيين لطالبان، يصر المسؤولون بالاستخبارات الباكستانية على أن ذلك ليس صحيحا، مؤكدين أن لديهم شبكة من العملاء مندسة بين مجموعات المتمردين والقبائل كجزء من مهمة الوكالة. ويؤكدون أن الشكوك الأميركية المتعلقة بأن باكستان تحرك سرا خيوط حركة طالبان شكوك عاف عليها الزمن.

في نهاية أحد اللقاءات، نادى علي أحد المحللين في وكالة الاستخبارات الباكستانية بصوت عال، ثم تلا علي ملخصا للإصابات الباكستانية التي تلت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 جراء الإرهاب، حيث وصل عدد الضحايا إلى 5362 قتيلا و10483 جريحا. وقال لي مسؤول آخر في الاستخبارات: «ثق بنا»، في إشارة إلى ذلك العدد من القتلى والجرحى، مضيفا: «ولا تتدخل في طريقة تمس سيادتنا وتجعلنا نظهر بمظهر سيئ أمام شعبنا».

وبالحديث مع قادة الاستخبارات الباكستانية، تذكرت شيئا يمكنك ملاحظته في جميع أنحاء العالم هذه الأيام، فأحيانا أرى أن الآخرين يرغبون في مساعدة أميركا أكثر مما نرغب نحن، ولكنهم في الوقت نفسه يريدون أن يعاملوا باحترام، كشركاء كاملين لا كمساعدين مخلصين للاستخبارات الأميركية.

وأخيرا، فعندما يتعلق الأمر بالأنشطة الاستخباراتية التي تنبني في الأساس على الخداع، تصبح كلمة الثقة كلمة شرطية، ولكن في هذه الحالة، حيث توجد مصالح مشتركة بين أميركا وباكستان، تبدو الفرصة مواتية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»