منتجع «جوانتانامو» السياحي!

TT

الذي يقرأ المقال الذي كتبته المحللة السياسية جوديث ميلر في صحيفة الاتحاد الاماراتية، عدد الأحد الماضي بعنوان «انطباعات عائدة من جوانتانامو» يظنها تتحدث عن منتجع سياحي خمس نجوم، لا عن سجن سيئ السمعة، فلقد تحدثت ميلر عن ميادين رياضية وترفيهية، وفصول دراسية للرسم والفنون، وعن مركز طبي يقدم أفضل درجات الاهتمام والرعاية الصحية، ويخضع فيه المعتقلون للفحوص والتحاليل الطبية على نحو دوري للتأكد من عدم إصابتهم بالدفتيريا، والسل الرئوي، والإنفلونزا، والإيدز.

وقد يسأل القارئ: وماذا بعد؟

فأطالبه بالانتظار قليلا، فالسيدة جوديث ميلر لم تفرغ بعد من تعداد جماليات جوانتانامو، فهي تواصل الحديث عن البرامج الثقافية في المعتقل، والمكتبة التي تضم ما يزيد على 15 ألف كتاب ومجلة، وعن الألعاب الإلكترونية، والصحف، والقنوات الفضائية، وأكثر من 315 فيلما وعروض (دي في دي)!

وماذا بعد؟

حسنا، ما زال هناك ما تود إضافته عن ذلك المعتقل السياحي، فثمة كرة قدم، وسلة، وتنس طاولة، وتنسيق حدائق، وبرامج ترفيهية للمعتقلين «الشطّار» تمتد إلى 20 ساعة، حتى السجناء غير الملتزمين نالتهم البركة أيضا، فثمة زنازين انفرادية واسعة لكي يأخذوا راحتهم!

أخال بعض القراء في الكثير من المناطق التعيسة حول العالم يهتفون فرحا لبعضهم بعضا الآن، وهم يقولون:

ـ «هيا بنا إلى جوانتانامو»

جوديث ميلر بعد حفلة المديح هذه لأسوأ سجون العالم سمعة، وبعد «اللف والدوران» تريد أن تبرر لتخطئة أوباما حول تعهده بإغلاق سجن جوانتانامو خلال عام من توليه منصبه، فهي تدعو صراحة لإبقاء المعتقل، وعدم نقل المعتقلين، وتقول: «ومع ما بذلته إدارة السجن في تحسين مستوى حياة النزلاء، فليس ثمة معنى لإنفاق المزيد من الأموال والجهد بغية نقل معتقليه إلى أحد السجون الأميركية أو غيره»، فهي بعبارة أخرى تريد أن أن توصي بإبقاء المعتقلين مدة أطول في المنتجع السياحي لكي ينعموا بكل هذه الخدمات الطبية والترفيهية والثقافية العظمى!

حينما يقرأ أحدنا مثل هذا المقال يستشعر أن مناخات العالم الثالث قد غزت أميركا، وأفرزت كتّابا كبعض كتّاب العالم الثالث الذين يزينون الديكتاتورية، والبطش، والقسوة، ويفرشون طريقها بحرير المبررات، فهذا السجن اللاقانوني سيظل وصمة عار تلاحق إدارة بوش حتى لو تحول إلى «ديزني لاند»، وبدلا من توسعة الحديث عن الملاعب والرعاية الصحية ووسائل الترفيه كان أجدى أن تفرد ميلر كامل مساحة مقالها لقانونية ذلك المعتقل، وما تسبب فيه من حالات انتحار، وجنون، وعجز، وما توحي به المؤشرات من أن ذلك المعتقل سيخرج أشخاصا أكثر تطرفا، وعدائية، وانتقاما. ويبقى تعهد أوباما بإغلاق المعتقل نقطة الضوء التي يتطلع إليها العالم في آخر نفق جوانتانامو، فلعل إدارة أوباما تعيد إلى أميركا من جديد وجهها القيادي في مجالات حقوق الإنسان.

[email protected]