ليست هناك، عبر التاريخ، حرب محلية، فكل حرب، في أي مكان، هي دعوة مفتوحة للتدخل الخارجي المتربص أو الخامد. وما يجري في اليمن الجمهوري الموحد يشبه إلى حد بعيد، ما جرى في اليمن الإمامي وما جرى في حرب الوحدة: المقاتل يمني والقتال مروحة إقليمية دولية، تتحول إلى محرك يعمل بجميع أنواع الوقود. خصوصا الملوث منه.
وليس الوقت وقت محاسبة نظام صنعاء وتبديد الوقت والتعالي على المصالحات واحتقار المعارضين. فالتهديد اليوم ليس تهديدا للنظام وحده بل هو خطر داهم تشارك فيه قوى متباعدة ومتعادية تلتقي آنيا ضد خصم واحد. وما الحوثيون إلا اسم فضفاض لـ«القاعدة» وإيران وبعض القوى الثأرية في الجنوب. و«القاعدة» تنقل معاركها وحروبها من أفغانستان إلى الصومال إلى اليمن إلى أي ساحة طرية ممكنة لأنه لا يمكن لها أن تزدهر إلا في ساحات الخراب والدمار، كما هو واضح من خريطة التنقل والتحرك.
اليمن أرض خصبة ليس فقط لـ«القاعدة» بل هي خصبة، بفقرها وقبلياتها وتراخي أطرافها، لكل من يريد زعزعة الاستقرار في المنطقة وإلغاء شكل الدولة وصورتها وضمانتها وإقامة حالة اختلال مريعة من التفكك والفوضى والقرون الوسطى، بحيث تعود ظواهر توحشية انفلاتية مثل القرصنة، متخفية، بالطبع، خلف شعارات لا تكبد كاتبها سوى الحبر.
قد يبدو ذلك مبالغة في قتوم الصورة وتوسيعا للخريطة بعيدا عن صعدة. لكننا في مرحلة تدور فيها الحروب الخفية في كل مكان. وخلف كل هذه الحروب رغبة واضحة في تغيير الخرائط والتوازنات وإطلاق النار على نقاط الضعف في هيكل عربي متعَب. وبدوره بالغ النظام العربي في الاطمئنان، فيما كانت القوى المناقضة تنشط وتعمل بسائر السبل وكافة الوسائل. وحيث تغيب الدولة، دائما دون مبرر، يحضر الناشطون الآخرون، سواء تحت مظلة «الإخوان» أو أي مسمى مناسب آخر.
حرب اليمن، في صعدة وفي الجنوب وفي نقاط التربص، ليست حربا عسكرية فقط. فقد فات النظام عقود من حروب البناء كان خلالها ملتهيا بخوض حروب الآخرين، مغتبطا بأنه يلعب أدوار الدول الكبرى، فيما كان الدور الكبير المتعين عليه داخل البلاد.