هل تتجاوب إيران وتتجنب ضربة عسكرية اضطرارية؟

TT

صباح الاثنين الماضي أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي عن أن إيران أجرت تجربة ناجحة لإطلاق صاروخ من طراز «شهاب ـ 3»، يبلغ مداه 2000 كم، ويمكنه الوصول إلى إسرائيل والقواعد الأميركية في منطقة الخليج.

يوم الاثنين الماضي أيضا، تظاهر طلاب الجامعات الإيرانية، منددين بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي كان من المقرر أن يلقي كلمة في جامعة طهران، بمناسبة بدء العام الجامعي. لم يأتِ، ولم يعطِ مكتبه أي توضيح لذلك، فهل خاف أحمدي نجاد من الطلاب؟

عندما جربت إيران صواريخها صباح الأحد والاثنين الماضيين، رفضت اتهام العالم لها بأنه عمل استفزازي. قالت إن التجارب كانت مبرمجة منذ أشهر، وهي لأهداف دفاعية. وقال علي عسكر سلطاني المندوب الإيراني في الوكالة الدولية للطاقة النووية، إنه من الطبيعي أن يكون للدول مناوراتها لتحسين قدراتها الدفاعية، إذ لا توجد اتفاقيات تمنع إيران من تطوير تكنولوجيا الصواريخ أو تجربتها. ورفض سلطاني أن يعتبر العالم التجربة تحديا أو استفزازا، فـ«إيران دولة قوية وهي تحمي نفسها».

كان أحمدي نجاد مجتمعا مع أسرة تحرير مجلة «تايم» الأميركية عندما قيل له إن الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سيعلنون عن اكتشاف المنشأة النووية الجديدة في «قم»، هدد بأنهم سيندمون على ذلك. الشرطة الإيرانية كانت هددت الطلاب الجامعيين بعدم التعاطي السياسي والانصراف إلى الدراسة الجامعية، لكنهم تظاهروا رغم التهديد وتظاهراتهم منعت أحمدي نجاد من أن يحصد بينهم ما يعتقد بأنه زرعه على المسرح الدولي من تهديدات.

ما قد يثلج قلب أحمدي نجاد، أو ربما ما قد يزعجه، البيان الذي نشره المرشح الخاسر للرئاسة مير حسين موسوي وفيه يعلن أنه ضد فرض عقوبات على بلاده. والمعروف أنه حتى لو تم انتخاب موسوي رئيسا لإيران، فهو يؤيد بشدة أن تملك إيران القدرة على تخصيب اليورانيوم، وعلى مواصلة برنامجها النووي. وكان قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بيوم واحد، قال إنه سيعمل على إقناع العالم بأن البرنامج هو لأهداف مدنية وليست عسكرية. فهل ستكون هذه الأزمة الدولية التي تمر بها إيران، منفذا يعود عبره موسوي إلى أحضان النظام؟ وهل سيوافق على تلك العودة أحمدي نجاد أم يشعر بخطر منها؟ ضج العالم نهاية الأسبوع الماضي، عندما تم الإعلان عن منشأة نووية إيرانية في «قم». أميركا والدول الغربية تؤكد أنها كانت تراقب الأنشطة الإيرانية في ذلك الموقع، وكانت قررت الإعلان عنه قبل اللقاء المتوقع اليوم الخميس في جنيف، وذلك لزيادة الضغط على إيران، وأنه بطريقة ما عرفت طهران بالأمر فأسرعت بإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة النووية لكي لا تقع في الإحراج.

في مانهاتن في نيويورك ندد الرئيس الإيراني بمواقف الدول الغربية المجتمعة، لأن «بلاده لم تَلقَ التشجيع! بعدما أبلغت الوكالة الدولية بوجود المنشأة السرية». وأضاف أن القواعد القانونية توجب على إيران أن تبلغ الوكالة الدولية عن المفاعل قبل ستة أشهر من بدء تخصيب اليورانيوم. «نحن أبلغناهم الأمر قبل 18 شهرا، وبالتالي فإن إيران لم تنتهك شرعة الوكالة وموجباتها». هذا ما كرره علي عسكر سلطاني يوم الاثنين عندما نفى «السرية» التي أحاطت بها إيران المنشأة الجديدة، واعتبر أن العالم كله على خطأ بهذا الاتهام، لأن من حق إيران أن لا تكشف عن كل أوراقها، «ومن واجب إيران أن تبلغ عن نشاطاتها قبل 180 يوما من بدء التجارب لا في أثناء البناء». لكن هناك أكثر مما قاله أحمدي نجاد وسلطاني بتبرير بناء المنشأة النووية في «قم».

المراقبون رأوا في بناء منشأة «قم»، أن إيران كانت تهدف إلى تنويع قدراتها على تخصيب اليورانيوم على أساس أنها قد تتعرض لهجوم، وتريد أن يكون لديها تسهيلات احتياطية في القدرة على التخصيب. فإذا ما تم تدمير مفاعل «ناتانز»، تكون منشأة «قم» جاهزة لمواصلة التخصيب. وأن «قم» جاء لحماية «ناتانز». لكن الواقع يخالف حتى هذه التفسيرات والتبريرات، لأن إيران في ظل القوانين الدولية وتوقيعها على بروتوكول إضافي مجبرة ومنذ سنوات على أن تعلق كل أنشطتها في تخصيب اليورانيوم، ومع هذا اكتشف العالم أنها تطور مفاعلا ثانيا في «قم» لتخصيب اليورانيوم من دون أن تبلغ الوكالة الدولية، وكان من الواجب عليها وحسب القوانين الدولية أن لا تقوم بهذه النشاطات في الأساس.

هذه التطورات ساعدت الولايات المتحدة على تكوين تحالف دولي قد يكون قادرا على فرض عقوبات صارمة على إيران، بعدما أشار الرئيس الروسي ميدفيديف إلى أنه في نهاية المطاف «لا بد من العقوبات». وعندما تتفق الدول الكبرى، تجد الصين من الصعوبة أن تبقى خارج هذا التحالف. اللافت للأنظار، ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بعد الكشف عن منشأة «قم». فمع الكلمات القاسية ألمحت إلى أن الولايات المتحدة تتجه إلى حد ما، إلى قبول النشاط النووي الإيراني مقابل تفتيش دولي مكثف ودقيق ودائم. البعض اعتبر هذا الموقف خطوة إلى الأمام لأن هذا ما تتطلع إليه إيران. لكن، حسب خبير نووي، فإن إيران اعتمدت السرية عندما قامت ببناء كل منشآتها النووية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة أمام خيارات صعبة، فإذا قبلت أن تستمر إيران في تخصيب اليورانيوم فعليها أن تستعد لمفاجأة بأنها قد لا تكون قادرة على اكتشاف منشآت أو مفاعلات أخرى لتخصيب اليورانيوم حتى مع وجود مفتشين دوليين، لأنه ما لم تتعاون إيران بشكل مطلق وشفاف فإنه ليس بمقدور المفتشين اكتشاف كل المنشآت السرية.

ويضيف، أن على أميركا عدم التنازل والقبول بأن تستمر إيران في تخصيب اليورانيوم إلا بعد فترة طويلة من امتحان عامل الثقة بينها وبين النظام الإيراني. ويرى، أن الاكتشاف الأخير، يظهر الأخطار التي يواجهها العالم إذا ما وافق على النشاط النووي الإيراني. إن التوقعات بالنسبة إلى اجتماع اليوم في جنيف هو أن تصر الدول على مفاوضات «شاملة» مع إيران، وأن تقبل إيران احترام كل التزاماتها الدولية مقابل أن تراعي الدول الست (أميركا، روسيا، الصين، ألمانيا، فرنسا وبريطانيا) اهتمامات إيران في المنطقة. إلا أن تصرفات إيران بعدم الإصغاء إلى المجموعة الدولية، كما تؤكد على ذلك تقارير الوكالة الدولية ومجلس الأمن، تعني أن إيران في موقف ضعيف، ومصرة على ممارسة الاستفزازات إذا لم تجد لدى الطرف الآخر (الدول الست) رغبة في تقديم تنازلات تسهل عليها التواصل مع المجموعة الدولية حول القضية الأساسية وهي برنامجها لتخصيب اليورانيوم. حتى في هذه الحالة، فإن هذا لا يعني بالضرورة حصول تغيير في السياسة الإيرانية، لأن الرسائل المنطلقة من قِبل القيادة الإيرانية تعبر عن تردد وعن عدم رغبة، فالقيادة تراهن على عدم تجرؤ أي دولة على مهاجمتها.

ثم إن البرنامج النووي صار جزءا من هوية الطبقة الحاكمة في إيران. وبالنسبة إلى هؤلاء فإن تعليق تخصيب اليورانيوم يعتبر بمثابة هزيمة تفتح الباب أمام المزيد من الضغوط الغربية ضد النظام، ويتخوفون من أن تكون الورقة الثانية ضد النظام انتهاكه لحقوق الإنسان.

وفي 11 أيلول (سبتمبر) قال المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي: «يجب أن ندافع عن حقوقنا، لأن أي تنازل عنها، إن كانت حقوقا نووية أو غير ذلك، يعني الانهيار». وكان موقع تابع للحرس الثوري الإيراني، عبّر عن تخوفه من القبول الأميركي السريع للمقترحات الإيرانية، ورأى، أن للغرب جدول أعمال سريا يهدف إلى الوصول بالمفاوضات إلى حائط مسدود، من أجل التحضير لعقوبات أكثر صرامة على إيران. وقال الموقع: «إن لشكوكنا وتشاؤمنا من المفاوضات وجها آخر، وهو أن الغرب يعتقد، بسبب مشكلاتنا الداخلية، أننا في موقف ضعيف وهو قادر على فرض شروطه علينا».

لكن، رغم هذه الأصوات الرافضة والمهددة، فإن الكثيرين في إيران يرون أنه لمعالجة مشكلات إيران الاجتماعية والاقتصادية يجب التوصل إلى نوع من التفاهم مع المجموعة الدولية وبالذات بين إيران وشركائها التجاريين في الغرب والشرق. ولا بد أن يكون هناك قلق لدى القيادة الإيرانية، من أن تُضطر الدول إلى الابتعاد عن التعامل مع إيران، إذا ما اتفق العالم على فرض عقوبات حتى على الدول التي تتاجر مع إيران. ويقول ديبلوماسي بريطاني يعرف إيران جيدا: «إن كل ما نسمعه من أن إيران قوية وقادرة على مواجهة مثل هذه الصعوبات، ليس صحيحا على الإطلاق».

إن الوضع الإيراني الداخلي المتعب الذي يحاول أحمدي نجاد وفريقه ومعهما الحرس الثوري تغطيته بلغة متعالية، يؤكد أن لهجة تهديد قد يستعملها الغرب خلال المفاوضات، ستؤدي إلى وضع نهاية سريعة لتلك المفاوضات، يمكن أن تفتح الباب بوجه عملية عسكرية اضطرارية.