شلل الكونغرس

TT

في يوم من ذات الأيام، قبل أن أشرع في إجراء مقابلة مع عضو مجلس النواب تشارلز رينغيل، حذرني أحد مساعديه من عدم التطرق إلى السباق الانتخابي الذي شهده عام 1970 وتمخض عن إلحاق الوجه السياسي الجديد رينغيل الهزيمة بالأسطورة آدم كلايتون باول، والفوز بمقعده داخل مجلس النواب. وخلال السنوات التالية لهذا الموقف، تحول باول من ماض إلى رمز سياسي، وتجلى ذلك في إطلاق اسمه على مبنى إداري يتبع إحدى الولايات وشارع في منطقة هارليم. ولم يجن رينغيل نفعا داخل دائرته من وراء تذكر الناس له باعتباره الرجل الذي أسقط باول، حيث تحول الأمر إلى ماض عفا عليه الدهر. والآن، نتعلم أن تلك كانت موهبة رينغيل الحقيقية. جدير بالذكر أن رينغيل يتولى حاليا رئاسة «لجنة الطرق والأساليب» (المعنية بالضرائب) داخل مجلس النواب، ويعد واحدا من الشخصيات التي تتمتع بنفوذ هائل داخل واشنطن. ورغم ذلك، انهمك رينغيل خلال الفترة الأخيرة في مراجعة وتنقيح سجله، وبدأ يتذكر عقارات يملكها في نيويورك ونيو جيرسي وفلوريدا وجمهورية الدومينيكان والله أعلم في أي المناطق الأخرى أيضا ـ كان قد غفل عنها ونسي ذكرها داخل النماذج المعنية بالممتلكات، ناهيك عن الدخل الوارد منها. في الواقع، لقد اكتشف رينغيل مؤخرا امتلاكه حسابات مصرفية لم يكن أحد في العالم، بما في ذلك هو نفسه على ما يبدو، على دراية بوجودها. كانت إحدى هذه الحسابات لدى «الاتحاد الفيدرالي للاعتمادات التابع للكونغرس» (كنغريشنال فيدرال كريديت يونيون)، وآخر لدى «ميريل لنتش» ـ تتراوح قيمة كل منهما بين 250.000 و500.000 دولار. وقد أغفل رينغيل بصورة ما ذكر هذه الحسابات في بيانات الذمة المالية التي يقدمها للكونغرس، ما يعني أنه عندما وقع هذه الإقرارات، لم يلحظ أن قرابة مليون دولار مفقودة من الحساب. هل يمكنك تصديق ذلك؟ أعتقد أنه ينبغي أن يتطوع أحد لتفقد مستوى الإضاءة داخل مكتبه.

وربما تتحمل الإضاءة السيئة أيضا مسؤولية عدم ملاحظة رينغيل أنه كان يعمل على جمع تبرعات لصالح مؤسسة ذات اسم لافت للنظر، «مركز تشارلز بي. رينغيل للخدمة العامة»، التي تحمل اسم وعنوان تشارلز بي رينغيل نفسيهما. المسجلين لدى الكونغرس. وربما يفسر سوء الإضاءة السبب وراء فشله في الإبلاغ عن دخله من العائدات المترتبة على الكثير من الاستثمارات المتنوعة، إضافة إلى ما جناه من وراء بيع منزل في هارليم. كان المنزل قد بيع عام 2004 مقابل 410.000 دولار، وتم تأجيره ـ أو ربما لم يحدث ذلك ـ للكثير من الأشخاص، الذين دفعوا ـ أو ربما لم يدفعوا ـ إيجارا، وذلك حيث لم يقدم رينغيل على مدار سنوات إخطارات بحصوله على عائدات من وراء هذا العقار. وسار رينغيل على النهج ذاته فيما يتعلق بفيلته في جمهورية الدومينيكان.

مما سبق يتضح أن هناك خطأ ما حيال تشارلي رينغيل، فإما إنه لم يلحظ أن ثروته تبلغ قيمتها قرابة ضعف ما أعلنه ـ سلوك مثير للقلق بشدة بالنسبة لشخصية قيادية في الكونغرس ـ أو أنه يحسب أنه فوق القانون، وهو أمر مثير للقلق للغاية أيضا بالنسبة لأحد قيادات الكونغرس. لقد كنت برفقة رينغيل عشية الانتخابات العام الماضي وسمعته يتحدث ببلاغة عما يعنيه تولي شخص ذي بشرة سمراء رئاسة الولايات المتحدة، وقد بلغ من الفصاحة مبلغا جعل عيني تغرورق بالدموع. وعليه، لا أعتقد أن تقدمه في السن أثر بالسلب على قدراته الذهنية. في الواقع، إنه يتمتع بمستوى ذكاء في الأيام العصيبة يفوق ما يتمتع به معظم الناس في الأيام العادية. إلا أنه يعاني من مرض يدعى «شلل الكونغرس». وتكمن أعراض هذا المرض في الاعتقاد بأن القواعد، خاصة الصغيرة منها، لم تعد تنطبق عليك. ويحدث هذا الأمر على امتداد فترة زمنية. ويتولد هذا الاعتقاد مع التقدم في السن وتنامي شعور بكون المرء ضحية، حيث يجتمع العنصران ليتولد اعتقاد بأحقية التمتع بامتيازات لا تحق للمرء في الظروف العادية. ويتعزز هذا الاعتقاد بالنظر إلى أن آخرين يجنون المال ويستقلون طائرات خاصة ويقضون العطلات على شواطئ الكاريبي ـ إذا لماذا لا يمكنني فعل المثل؟ خاصة إذا كنت تتمتع بالنفوذ وفريق العمل اللازم ـ لا عليك سوى التطلع باتجاه كل هؤلاء الأشخاص الساعين لخدمتك! ـ كل هؤلاء الخدم الذين يقفون لك عند المصعد ويقودون لك السيارة من «مطار ريغان الوطني» وعلى الجانب الآخر لدى وصولك مطار «لا غارديا». وبذلك، يبدو كل ما تفعله صوابا.

يعد هذا تحديدا المرض الذي وضع نهاية تاريخ باول المهني. في الواقع، كان لدى باول سبب وجيه لكل المرارة التي كانت بداخله ـ فهو عضو كونغرس أسمر اللون يتعذر على فريق العمل المعاون له مجرد تناول الطعام في الكافيتريا التابعة لمجلس النواب ـ لكنه حول جميع الإهانات التي عانى منها إلى ذريعة لتبرير سجل حضور لجلسات المجلس بالغ السوء ولازدراء القانون. في النهاية، انقلبت هارليم التي تحتفي بباول الآن ضده وانتخبت بدلا منه مقاتلا سبقت له المشاركة في الحرب الكورية، تشارلز بيرنارد رينغيل. والآن، وبعد مرور كل هذه السنوات والانتخابات والتعديلات والتصحيحات والسعي لجني الثروة، يجد المرء نفسه في مواجهة تاريخ يود رينغيل لو أن بمقدوره محوه، ألا وهو أنه لم يهزم باول، وإنما انضم إليه.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»