إقليم كردستان.. إفرازات الانتخابات

TT

جاءت الانتخابات في كردستان العراق على عكس جميع توقعات المراقبين، وما أفرزته الانتخابات من خلخلة في البنية السياسية، وخرق للمألوف والسائد من هيمنة أحزاب تقليدية من دون مزاحمة لها.. فلا شك أن المرحلة المقبلة هي ليست باليسيرة على القوى السياسية الحاكمة للإقليم نتيجة لما تمخضت عنه الانتخابات وما جرى من بعثرة لأوراق أحزاب ولو بنسب متفاوتة، وخلط ما كان مستقرا فيما مضى، إذ تجري الأمور وتقسم المناصب السيادية بسلاسة بين المتحالفين، فإن المقبل من الأيام سيكون عسيرا على سياسيي الإقليم، لا سيما بعد تغير المواقع السيادية المهمة بين الأطراف الثلاثة الرئيسة. فحصول «الاتحاد» على رئاسة الوزراء يضعه أمام معادلة صعبة للغاية بعدما فقد معظم أصواته في المناطق المؤيدة له في الانتخابات، إذ بات بحكم المتوقع أن يشغل منصب رئاسة الوزراء برهم صالح.. والمعروف أن الإقليم حظي بمستوى واضح وملموس من حركة عمرانية واستثمار للموارد وجلب الشركات الأجنبية للاستثمار، لا سيما التركية والكورية ومن الخليج العربي بعد توافر بيئة صالحة للاستثمار نتيجة الإغراءات والقوانين الجاذبة فضلا عن الاستقرار الأمني، لذلك نهض الإقليم، لا سيما مدينة أربيل من ركام الماضي بمستوى الخدمات والازدهار عكس باقي المناطق العراقية، لذا فإن سكان مدينة أربيل، يخشون من ضياع بعض مكتسباتهم، إذ إن المطلوب من الكابينة السادسة المقبلة على الأقل الاحتفاظ بالمكتسبات والأمن والاستقرار في المنطقة، وتحقيق توازن نسبي بين الفرقاء السياسيين وتحسين الخدمات إلى الأفضل، فضلا عن مسألة الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، والتي تتطلب الحكمة والصبر في التعامل معها على غرار ما فعلته حكومة نيجيرفان، وأن شخص برهم صالح بحكم عمله كنائب رئيس للوزراء في بغداد لا بد أن يكون قد اكتسب خبرة عالية في التعامل مع القضايا الحساسة والشائكة، منها ما يتعلق بالمادة 140 التي تتعلق بكركوك وقضايا استثمار النفط.. وهذه الأمور من شأن السياسيين، لكن الشارع في إقليم كردستان ما يهمه على أرض الواقع المزيد من الخدمات، وتعزيز الاستثمارات، والقضاء على البطالة والفساد المالي والإداري..

ومن ناحية أخرى، تقف قائمة «التغيير» في البرلمان، والتي ترفض الدخول إلى الحكومة المقبلة وسوف تحاول إبراز صوتها القوي داخل البرلمان، لأنه المتنفس لها للنهوض بوعودها البراقة والقوية للشعب بالقضاء على الفساد المالي والإداري، وبالتأكيد ستحتدم هذه المرة المنافسة الشديدة بين الفرقاء السياسيين، ولا ننس الضغط الشعبي الذي يطالب بالتغيير، وأن أي إخفاق في وعود هذه الأحزاب، سيعرضها إلى فقدان ثقة الشعب بها، لا سيما أن معظم الذين صوتوا لها كانوا تواقين إلى التغيير الحقيقي.

يبقى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ستتمثل سلطته في رئاسة الإقليم التي حصل عليها الرئيس (مسعود البارزاني) بفارق كبير من الأصوات مع باقي المرشحين، وعلى الرغم من أن مدة حكمه اتسمت بالهدوء والأمن والاستقرار، فإن نتائج الانتخابات جاءت للقائمة الكردستانية غير مرضية، لذا هم بحاجة إلى إعادة صياغة الحسابات من جديد والعودة إلى الساحة بقوة، تتناسب مع تاريخ ونضال الحزب الديمقراطي، فلم تعد الساحة السياسية كما كانت عليه فيما مضى مع ظهور تكتلات أخرى، أصبحت المهمة أصعب، لذا فإن أول الإصلاحات، يجب أن يكون داخل الحزب نفسه وتغيير الوجوه التي مل الشعب منها، إذ ليس من الضروري إعادة توزير هؤلاء الوزراء! وتبادل أماكنهم، كما كان يحصل في المرات السابقة، بات غير مقبول، لذا عليهم القيام بإصلاحات حقيقية وجدية لأن بعض الوزراء قد أخفقوا إخفاقا فاضحا وواضحا في تقديم الخدمات للمواطنين والنهوض بالمستوى المطلوب، لا سيما في بعض الوزارات التي تسببت في خسران الأصوات وتدشين الحقد والكراهية بدلا من الانتماء، لأن الشعب عرف كيف يصوت، وبالتأكيد سوف يتابع الأسلوب ذاته في معاقبة المقصرين بصوته في المرحلة المقبلة أيضا. لا سيما بعد الانسحاب الأميركي من المنطقة، والتي كانت سندا قويا للأكراد مع أنها لم تقدم أية ضمانات حقيقية للكرد تصون حقوقهم، والأخطر من ذلك إذا ما ترجحت الكفة في الانتخابات العراقية المقبلة لصالح الأحزاب الممولين من إيران والمعروفة بعدائها التقليدي لأية حركة كردية، فقد أثبت التاريخ أن الحركات الكردية كانت تجهض بالاتفاق بين تركيا وإيران المتفقتين على الأكراد مهما بلغت خلافاتهما، إذ كان السند دوما الشعب وحده في ساحة المعركة، وبما أننا قطعنا أشواطا كبيرة لنيل حقوقنا في الماضي البعيد، لذا فإننا بحاجة إلى تقوية بناء البيت الكردي، ولن يقوى بناؤه إلا بانتماء الشعب وولائه للسلطة ووحدة صفه ونبذ الخلافات، ولن يتم هذا إلا ببناء جسور الثقة بين السلطة والشعب، وذلك بتوزيع الثروات بعدالة وإصلاح المؤسسات الحكومية ومعاقبة المفسدين أمام أعين الشعب وتفعيل دور هيئة النزاهة والقضاء على ظاهرة المحسوبية والمنسوبية التي قضت على نسبة كبيرة من أصوات الناخبين.

*كاتبة وأكاديمية من إقليم كردستان العراق