ليست هذه طريقة للتعامل مع رئيس

TT

أي شخص شاهد الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يشرح مقترحاته الخاصة بالرعاية الصحية أمام الكونغرس كان يرى المسؤول التنفيذي الأول وهو يقدم ما بدت وكأنها مناشدة حقيقية لإقامة شراكة بين الحزبين. ولكن قد يشبه تصرف خصومه سلوك مجموعة فاسدة من طلبة الصف الأول. ويجب على أوباما أن يتجاهلهم، حتى لو حبسوا أنفاسهم وتحول لونهم إلى اللون الأزرق.

كان أعضاء مجلس النواب عن الحزب الجمهوري مولعين بإظهار عدم احترامهم لأوباما وللمنصب الذي يشغله. وكان انفجار النائب جو ويلسون، من كارولينا الجنوبية، الذي صرخ قائلا: «أنت تكذب!» عندما قال أوباما إن خطته لن تغطي المهاجرين غير الشرعيين، من أفظع الصور للتعبير عن الاستياء. وكان النائب إريك كانتور، من ولاية فيرجينيا، يعبث بجهاز بلاك بيري خاص به بينما كان القائد الأعلى يتحدث. واستعرض جمهوريون آخرون أنفسهم عن طريق تمرير نسخ مما زعموا أنها خطة إصلاح خاصة بهم، وهي بعيدة كل البعد عن أن تكون خطة فعلية. ولوّح النائب لوي غوهمرت، من تكساس، بتوقيعات يدوية ناحية الرئيس وكأنه يظن نفسه في أحد اجتماعات مجلس المدينة المخصصة للتغطية الإعلامية وليس في تجمع مهيب لأرفع المسؤولين المنتخبين في الولايات المتحدة.

وخلال الخطاب، كان هناك تذمر وتكشير ونظرات تبرم من جانب الجمهوريين، ولم يكن بها احترام، ولكنها كانت بصراحة غير أميركية.

عندما كنت مراسلا في لندن قمت بتغطية جلسات أكثر شدة داخل مجلس العموم البريطاني، وكانت هذه هي الطريقة التي يعامل بها البرلمان رئيس الوزراء، الذي هو رئيس للحكومة. وفي الولايات المتحدة ليست هذه هي الطريقة التي يعامل بها الكونغرس الرئيس، الذي يرأس الدولة. لم يضايق الكونغرس ليندون جونسون بمثل هذه الطريقة إبان حرب فيتنام ولم يقم بذلك مع ريتشارد نيكسون خلال فضيحة ووترغيت. ولم يظهر الكونغرس مثل هذا النوع من العدوانية مع جورج دبليو بوش، الذي كذب فعلا، لا سيما فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية التي اعتمدت عليها إدارته من أجل تبرير حرب غير ضرورية كانت تكلفتها موت 4300 أميركي وأموال تكفي لتمويل مقترحات أوباما الخاصة بالرعاية الصحية على مدى عقد من الزمان.

أصدر ويلسون بيان اعتذار بعد الخطاب، وقال إنه «سمح لعواطفه أن تغلب عقله» ووصف مداخلته بأنها «غير لائقة وشيء يؤسف له». ومثل كثير من الاعتذارات، بدا أنه غير مخلص في اعتذاره وحاول المراوغة. وفي والواقع فإن الجمهوريين اليمينيين داخل الكونغرس، لا سيما هؤلاء الموجودين داخل مجلس النواب، مخلصون بصورة مبالغ فيها. وهذه هي المشكلة. لقد ألحقت انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) دمارا بالحزب الجمهوري لدرجة أن البلاد تعاني حاليا من خسائر غير متعمدة. الجمهوريون الذين عوقبوا في الانتخابات بسبب الإخفاقات التي كانت خلال أعوام بوش كانوا هم الموجودين داخل المناطق التي بها توازن، وكان ذلك يعني أنها تميل إلى أن تكون معتدلة بصورة نسبية. وكان هؤلاء الذين مثلوا مناطق جمهورية صرفة في وضع آمن، وخوفهم الأكبر ليس هو الهزيمة على يد ديمقراطي خلال الخريف المقبل، ولكن أن يتحداهم منافس ذو منحى يميني همجي بدرجة أكبر خلال الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري.

يوجد عدد قليل إلى حد ما من البراغماتيين الديمقراطيين داخل الكونغرس، وهذا هو السبب الذي جعل مجموعة «الكلاب الزرقاء» تعمل على إصلاح الرعاية الصحية. وعدد البراغماتيين بين صفوف الجمهوريين، لا سيما داخل مجلس النواب، قليل، بينما يمثل الأيدلوجيون العدد الغفير. وربما يصدق كثير منهم الكلام التافه الذي يتشدقون به عن زحف الاشتراكية وتهديد ملح لأميركا التي نعرفها. ولكن لا يزال ذلك محض هراء. ويجعل إخلاص الأيديولوجيين من هذا المنحى الخطابي المسموم والذي يرفض الآخر أكثر خطورة.

ستلاحظ أنني لم أذكر الانتخابات. وللذكر، أشك في أن انتخاب أوباما جعل بعض نقاده يشعرون أن لديهم تصريح لرفض شرعيته ومكانته وأدب التعامل بالصورة المعتادة التي يستحقها أي رئيس. ومع ذلك، لا يمكنني أن أثبت ذلك. وإذا كنت على صواب، فما الذي يمكن أن يقوم به أي شخص بخصوص ذلك؟ ولا توجد طريقة لإجبار المواطنين على البحث في أرواحهم عن سمات التحيز الطائفي الشعوري واللاشعوري. ويمكن أن يكون لدينا نقاش مثير عن الصورة التاريخية للرجل الأسود في مجتمع أميركي، ولكن لن يجعلنا ذلك أقرب من الرعاية الصحية الشاملة.

وأعتقد أن ما سيجعلنا أقرب هو الإصرار والوضوح الذي أبداهما أوباما للبلاد. أعتقد أن الجملة الأهم التي قالها كانت في البداية: «أنا لست الرئيس الأول الذي يعكف على هذا الهدف، ولكني مصر على أن أكون الأخير».

وقال للذين يدعمون خيار التأمين الصحي العام، إنه قد يكون علينا أن نختار شيئا أقل. لقد لقن الجمهوريين درسا عظيما عن الإصلاح. ورسم خطا لامعا في الرمال: قوموا بما تشاؤون، ولكن هذا ما سيحدث.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»