القبض على عصابة!

TT

يندر أن تمر أيام دون أن تقرأ في الصحافة أخبار القبض على عصابات متخصصة في سرقة المنازل، أو المحلات التجارية، أو السيارات، أو سرقة الهويات، وغيرها من أنواع العصابات المتعددة، التي يتسلح بعضها بأسلحة نارية، أو سكاكين، أو كلاب مدربة، وغالبا ما تنشر هذه الأخبار تحت عناوين، مثل: «القبض على عصابة سرقة المنازل»، فتنام ليلتها مطمئنا بأن العصابة التي تقلق راحتك، وتعكر صفو نومك هي الآن في قبضة الأمن، قبل أن تكتشف بعد أيام أن ثمة عصابة ثانية، وثالثة، ورابعة، مماثلة يتوالى القبض عليها، وتنشر أخبارها الصحف بنفس نسق العناوين السابقة.

لهذه الأخبار بالتأكيد دلالتها اليقينية المتصلة بالمنجز الأمني، لكن هذه الأخبار لا تحقق غايات الإعلام المتصل بالجريمة، إذ أن جل أخبار الصحف تتوقف في الغالب عند حادثة القبض، ولا تتجاوزها ـ في الكثير من الأحيان ـ إلى ما يصدر في حق هؤلاء من أحكام، وكان أولى بمن بدأ المكارم «الإعلامية» أن يتمها؛ فالإعلان عن العقوبة لا يقل أهمية عن خبر إلقاء القبض، لما يمكن أن يضيفه إلى سياقات الردع.

وقد يكون للإعلام أسبابه في التوقف عند أخبار القبض على عصابات الإجرام، فهو يجد من المسؤولين في الأجهزة الأمنية تفهما لدور الإعلام ورسالته، ولكن لست أدري إن كان هذا التفهم يمتد بنفس المستوى إلى الدوائر الأخرى المعنية بصياغة الاتهامات، وصدور الأحكام.

ومن الطبيعي أن يكون للإعلام عن الجريمة أهداف تتجاوز رصد الحالات إلى غايات توعوية، وتربوية، وإرشادية على درجة كبيرة من الأهمية، فالقبض على صنّاع الجريمة «مبتدأ»، لكن «الخبر» يتمثل في معرفة ما آل إليه مصير المتهمين، وعلى المحرر المهتم بهذا المجال أن يستخرج من كل قضية ما يضيف إلى وعي الناس حول أسباب الوقاية، ودوافع الجريمة، وأساليب الجناة، ومستويات الردع في الأحكام، خاصة أن الأخبار المتصلة بالجريمة تكتسب قدرا كبيرا من الأهمية بسبب نزعة الإنسان الفطرية إلى رصد الأخطار المحيطة به، وتجنب مصائر ضحاياها، وعلى مدى اشتغالي بالصحافة كان ثمة صحافيون موهوبون في هذا المجال، وأتخيل لو أن هؤلاء أتيحت لهم فرص الاطلاع على مبادئ علم الجريمة، وعلم النفس الجنائي، وانحرافات السلوك، لاستطاعوا بناء أقسام صحافية متخصصة في هذا المجال على درجة كبيرة من الأهمية المهنية.

كفانا الله وإياكم عذابات الجرائم، وشرور المجرمين.

[email protected]