نموذج جديد للمصارف

TT

عندما تفكر بشأن الاستقرار المالي المستقبلي، عليك أن تسأل نفسك: لماذا خرجت صناديق التحوط سيئة السمعة، التي من المفترض أنها تشكل العناصر الشريرة داخل عالم المال، من أزمة العام الماضي بحالة جيدة نسبيا؟

في الواقع، سادت توقعات على نطاق واسع بأن هذه الصناديق، التي تستثمر قدرا بالغا من رؤوس الأموال لصالح عملائها الأثرياء، ستشهد انهيارا مكافئا لما تعرضت له المصارف الخاضعة للتنظيم. ورغم انهيار بعض هذه الصناديق بالفعل، فإن الكارثة الكبرى المتوقعة لم تتحقق قط. لماذا؟ يكمن جزء من الإجابة في أن صناديق التحوط لا تزال مضطرة للعمل طبقا للقواعد الرأسمالية القديمة: أنه لا توجد جهة إقراض تشكل الملاذ الأخير لتقديم إعانات مالية لإنقاذها. وعليه، اتضح أن مديري هذه الكيانات غير الخاضعة للتنظيم كانوا أكثر حذرا من نظرائهم في الكيانات المنظمة. أما الدرس المستفاد من وراء ذلك والذي أشار إليه بعض وزراء مالية ومسؤولي المصارف المركزية الذين التقوا أخيرا في اجتماع مجموعة العشرين في بيتسبرغ، فيتمثل في أنه إذا ما أردت دفع المصرفيين نحو الالتزام بنمط سلوك أفضل، فعليك جعل حوافزهم المالية أشبه بتلك السائدة بمجال صناديق التحوط ـ حيث يخاطر المديرون بأموالهم وترتبط إجمالي قيمة ما يحصلون عليه من مال بمستوى أدائهم على المدى البعيد.

الملاحظ أن مديري صناديق التحوط يجنون أموالا طائلة مقارنة بالمؤسسات التي يديرونها. شخصيا، كنت أتمنى لو أن رواتبهم كانت أقرب للمدرسين، على سبيل المثال. لكن على الأقل نجد أن المضاربين غير الخاضعين للتنظيمات يعيشون في إطار نظام يقوم على الربح والخسارة. وعليه، فإنهم يخضعون فعليا لتنظيمات تحكمهم تتمثل في المستثمرين لديهم. وإذا ما أخفقوا، فإنه ليس بإمكانهم الانضمام إلى الصف بجانب «سيتي بنك» و«بنك أوف أميركا» في انتظار الحصول على إعانات من أموال دافعي الضرائب. من ناحيته، أعرب أحد مسؤولي المصارف المركزية الأوروبية الذي اضطلع بدور نشط في نقاشات مجموعة العشرين، عن اعتقاده بأن «النظام الذي أقمناه للمصارف الكبرى أشبه بأضحوكة، ذلك أنه بمقدورك إساءة إدارة مؤسستك التجارية، وإذا ما ساءت الأمور، يتكبد المجتمع دفع الفاتورة. نحن بحاجة للتوصل إلى سبيل يجعل المصرفيين مدركين لأنهم قد يفشلون». من أجل تفحص السبب وراء عدم انهيار صناعة صناديق التحوط العام الماضي، دعونا نستعرض الأرقام التي جمعتها مجموعة تدعى «هيدجفند إنتليجنس». وتكشف الأرقام أن الصناديق التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها عانت خسائر بلغت في المتوسط 12.7% عام 2008. ورغم فداحة هذه الخسارة، فإنها لا تذكر بجانب التراجع بنسبة 38.5% الذي مني به مؤشر «ستاندرد آند بورز». وجاءت خسائر المصارف أعلى من ذلك. وقد تحققت نجاة صناعة صناديق التحوط لأن الأزمة الكبرى التي هددت وجودها وقعت منذ 10 سنوات سابقة، مع تفجر الأوضاع داخل صندوق التحوط «لونغ تيرم كابيتال مندجمنت» عام 1998. في أعقاب انهيار هذا الصندوق، أصيب مقرضو صناديق التحوط بالتوتر وعمدوا إلى تشديد القواعد التي يتبعونها. وعليه، فإنه على امتداد العقد الماضي اتسمت صناديق التحوط فعليا بمستوى أقل من الرفع المالي عن الكثير من المصارف. للتعرف على كيف أصاب هوس الاقتراض المصارف، عليك النظر إلى الأرقام السرية الخاصة بالمصارف السويسرية، التي سبق أن اشتهرت في وقت من الأوقات بالحذر. ارتفعت نسب الدين داخل أكبر مصرفين خلال الأعوام الأربع والعشرين الماضية من 90% إلى 97% ـ مما يعني أنهما تلقيا 97 فرنكا سويسريا في صورة أموال مقترضة مقابل كل ثلاثة فرنكات في رأس المال. وتكشف حسابات المتاجرة للمصرفين عن استخدام أكبر للأموال المقترضة. وقدرت إحدى الدراسات أنه بحلول عام 2006، كان المضاربين في المصارف السويسرية الكبرى يقترضون 400 ضعف رؤوس أموالهم ـ مما كافئ حوالي 100 ضعف معدل الرفع المالي لصندوق تحوط عادي.

في بيتسبرغ، شرعت دول مجموعة العشرين في عملية إعادة تنظيم الصناعة المالية. لكن القلق يساورني إزاء إبداء السياسيين قدرا مفرطا من الثقة في الرقابة التنظيمية ـ التي من الواضح أنها لم تضطلع بواجبها خلال الفترة السابقة للانهيار المالي الذي شهده عام 2008. إن العنصر الأمثل لكبح جماح الصناعة يتمثل في النظام القديم لتنظيم السوق، والذي يعي المضاربون الماليون في إطاره أنهم سيفقدون، شخصيا، أموالا طائلة إذا لم تثمر رهاناتهم الخطرة نتائج إيجابية.

موجز القول، أن علينا ترك الصناعة المالية تدفع ثمن أخطائها. وتعد هذه الفكرة وراء أفضل المقترحات الإصلاحية التي طرحتها إدارة أوباما: إذا ما أصدرت المصارف أوراقا مالية مدعومة برهون عقارية، فعلينا مطالبتها بالاحتفاظ ببعض الورق كي تتحمل بعض الخسائر. عندما تصوغ المصارف أنظمة رواتب ومكافآت لكبار مسؤوليها التنفيذيين، يجب حث مجالس إدارتها بإتباع الممارسات المعتادة داخل صناديق التحوط والتي على أساسها ستتقلص المكاسب الكبرى لعام ما بسبب الخسائر الكبرى للعام التالي. وأوضح أحد مسؤولي البيت الأبيض أن الفكرة العامة وراء المقترحات تكمن في «محاربة التوجهات قصيرة الأمد».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»