مدد يا ربي مدد

TT

أعترف: أنني إنسان على قد حالي، وكلامي هذا ليس من باب التواضع ولكنها الحقيقة التي لا مناص منها، رغم أنني كثير الادعاء، وأتمنى أن أضع الناس كلهم في جيبي، كما أنني كثير الغيرة وكثير الدعاء السلبي على من هم يبزونني علما وجاها ومالا وموهبة وعقلا وصلاحا ووسامة.

وكثيرا ما دعوت على العالم بالجهل، وعلى الوجيه «بالشحططة»، وعلى الغني بالفقر المدقع، وعلى الموهوب بالسكتة القلبية، وعلى العاقل بالجنون، وعلى الصالح بالانغماس في مواخير الليل ولا يخرج منها إلا وهو يتعتع ومحمول على الأعناق، وعلى الوسيم بماء النار التي تحرق وجهه ومعه «كراعينه» كذلك.

هل عرفتم الآن: كم أنا شراني؟!، والله يكفيكم ويكفيني شر نفسي ونوازعها الإرهابية.

ومع ذلك، فجل أصحابي مع الأسف هم من هذه النماذج المفتخرة التي أتمنى من أعماق قلبي أن أطحنها طحنا، ولا يردني عن ذلك إلا قلة حيلتي وخوفي مما لا تحمد عقباه، وهذا من حسن حظ البشرية، ولولا ذلك لكنت «الظواهري» الثاني ـ ولكن على أحلى ـ.

وبالأمس القريب كنت عند أحدهم، وهو عالم لا يحلو له إلا أن يتفكه ويتندر على جهلي ويجري عليّ الاختبارات، فسألني سؤالا فجائيا: كم يستطيع الإنسان أن يتحرك؟!، قلت له وأنا «أتهزهز» علامة الفطنة والذكاء: بسيطة إنه يتحرك في أربعة اتجاهات.

ففرقعت ضحكاته، وقبل أن يجيبني قال: رحمك الله يا نزار قباني عندما قلت: متى ستفهم أيا جملا من الصحراء لم يلجم؟!، ثم أردف بكلمة لا أستطيع أن أكتبها وقال: أفهم يا «....» إن الإنسان يتحرك في سبعة اتجاهات مختلفة في آن واحد.

طبعا «تبرشمت» ولولا الحياء لقلت: إنني بضت في مكاني، وأحسست أنني إنسان متواضع وتافه جدا، وأنني أمام إنسان إما أنه مدلس خطير، أو عبقري خارق، وقبل أن أفيق من «حوستي» تلك قال لي: اسمعني يا أهبل: إن الإنسان زيادة عن الأربعة التي ذكرتها تبلغ سرعة دورانه عند خط الاستواء ألف ميل في الساعة، ثم يدور، راكبا الأرض، حول الشمس بسرعة 66 ألفا من الأميال في الساعة، ثم يدور مع المجموعة الشمسية كلها في «المجرة» بسرعة مليون ميل في الساعة، ثم يدور مع المجرة في فضاء الكون بسرعة تفوق التصور ولم تسجلها بعد أجهزة العلم.

ويكمل: الإنسان حركته في الاتجاهات السبعة المختلفة، إذا ركب قطارا ينزل أو يصعد منحدرا، ومشى في داخل هذا القطار بعكس اتجاهه!، هل فهمت يا «بقم»؟! أم ألقمك حجرا؟!، أم «اتوطّى في بطنك»؟!، رددت عليه لكي أكتفي غضبه وقلت له وقد دار رأسي: نعم نعم. وأقسم لكم بالله أنني إلى هذه اللحظة لم أفهم هل هو يدور أربعا أم سبعا أم عشرا؟!، أكيد أن هناك اختلالا عقليا في نافوخي، أو أنني لم أبلغ الحلم بعد، أو أنني لم أولد على الفطرة.

فيا ربي يا حبيبي، أعطني من لدنك مددا، لكي أفاخر به بين الناس.