من الذي يخشى من ملاذ إرهابي؟

TT

قد يختلف أصحاب الرأي المدافع عن ضرورة الاستمرار في مكافحة الإرهاب في أفغانستان، لكنهم يصرون جميعا على رأي واحد وهو أنه يجب ألا يسمح لأفغانستان أن تصبح ملاذا آخر للجماعات الإرهابية، خاصة «القاعدة». بيد أن النقاشات حول أفغانستان أثارت الكثير من الأسباب للتشكيك في هذا المعتقد، وكان أحدها أن قادة القاعدة غير موجودين في أفغانستان، فقد فروا إلى باكستان قبل عام، وسبب ثان هو أن رغبة الإرهابيين في الحصول على ملاذ يمكن أن تتحقق في دول كثيرة غير مستقرة إلى جانب أفغانستان ولا تستطيع الولايات المتحدة تأمينها جميعا.

وقد تركز النقاش بصورة أكثر اتساعا حول مدى أهمية الملاذ المادي للجماعات الإرهابية، أو كيف يمكن أن يؤثر الملاذ في خطورة الهجمات الإرهابية على المصالح الأميركية خاصة على أراضيها؟ والإجابة عن السؤال الثاني: أنه ليس بذلك القدر الذي تعتقده النقاشات الحالي. فعندما تحصل مجموعة على ملاذ فإنها ستستخدمه لأغراض مثل التدريب الأساسي لعناصرها الجدد، لكن العمليات التي تعتبر ركيزة الهجمات الإرهابية المستقبلية لا تحتاج إلى مثل هذا المكان، إضافة إلى أن العمليات الإرهابية المميتة لا تتطلب سوى عدد قليل من الإرهابيين، فالخطط الرئيسية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لم توضع في معسكرات التدريب في أفغانستان، ولكنها وضعت في شقة في ألمانيا وغرف فنادق في إسبانيا ومدارس طيران في الولايات المتحدة.

وخلال العقدين الماضيين ازدهرت مجموعات الإرهاب الدولي عبر الاستفادة من العولمة وتكنولوجيا المعلومات التي خفضت من اعتمادها على الملاذات المادية.

وعبر الاستفادة من شبكات مثل الإنترنت أصبحت المنظمات الإرهابية أكثر شبها بتلك الشبكات، غير محدودة بمكان واحد. فخطر الإرهابيين الجهاديين لا يزال قائما ضد الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يعني أن مجموعة من الهجمات تم الإعداد لها وإصدار الأوامر بتنفيذها من ملاذ في جنوب آسيا، أو أنها تتطلب ملاذا على الإطلاق. إن دور «القاعدة» في هذا التهديد هو دور يتعلق بإصدار الأوامر أكثر منه موجه آيديولوجي، ولهذا فإن الملاذ أمر غير ضروري.

تلك التوجهات كانت معروفة للعاملين في مكافحة الإرهاب لسنوات، لكنها غابت عن النقاشات حول أفغانستان، وربما يعود السبب في ذلك إلى أن التدخل هناك في أواخر عام 2001 كان بلا شك ردا على هجمات 11 سبتمبر (أيلول) «الحرب الجيدة» على عكس الحملة سيئة التوجيه في العراق، حيث كانت علاقة العراق بهجمات 2001 العذر الوحيد الأبتر لإدارة بوش للتسويق لهذا الغزو. وقد نجح دخول الولايات المتحدة الحرب الأهلية في أفغانستان في إقصاء طالبان وحليفتها «القاعدة» من السلطة، وقد كان التدخل واقعا لا محالة بغض النظر عن ساكن البيت الأبيض أكان بوش أم غور.

لم تعد القضية اليوم تتعلق بما إذا كان الأمر يستحق هذا الجهد الذي بدأ منذ ثماني سنوات مضت، فهو يستحق ذلك بالفعل، ولا ما إذا كان الملاذ في أفغانستان ذا أهمية لجماعة إرهابية من عدمها، بل يجب أن تكون المسألة بدلا من ذلك هي ما إذا كان منع مثل هذا الملاذ شأنه أن يقلل من التهديد الإرهابي على الولايات المتحدة بما يكفي للتعويض عن النفقات المطلوبة من الدم والمال والعوائق التي تحول دون النجاح في أفغانستان، كنظام الحكم العقيم وتدني تأييد السكان. ومن ثم يجب أن تقوم محاولة الحيلولة دون خلق ملاذ مادي على مقاومة الإرهاب المناهض للولايات المتحدة الناجم عن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة أصبحت محتلا لأفغانستان لا مدافعا عنه.

ومن بين أهم أوجه الشبه التي أثيرت بين حربي أفغانستان وفيتنام، هو عدم الدراسة الكافية للحقائق الأساسية. فإدارة جونسون كانت دقيقة تماما كإدارة أوباما في دراسة استراتيجيات مكافحة التمرد والقوات اللازمة لتنفيذها. لكن غالبية الرأي العام الأميركي قبل بشكل مطلق في أوائل ومنتصف الستينات ـ وأخطأ في ذلك ـ الأسباب التي قدمت لهذا العمل كله، وهي: أن الخسارة في فيتنام تعني أن البلدان الآسيوية الأخرى سوف تسقط الواحدة تلو الأخرى كحجارة الدومينو في قبضة الشيوعية، وهو ما يعتبر تراجعا عن الالتزام بفيتنام، وسيشكل ضررا بالغا بمصداقية الولايات المتحدة.

ولا يزال بإمكان إدارة أوباما، وغيرهم من المشاركين في النقاش الدائر حول توسيع جهود مكافحة التمرد في أفغانستان، تجنب الخطأ ذاته. ولكن هذا لا يأتي عبر التذرع بأحداث 11 سبتمبر (أيلول) لاستمرار الحرب والتسليم بأن الملاذ في أفغانستان من شأنه أن يعني الفرق بين تكرار وعدم تكرار ذلك الرعب. لكنه يجب أن يعنى بدلا من ذلك بتقديم حجة مقنعة حول كيفية زيادة هذا الملاذ من المخاطر الإرهابية الواضحة على الولايات المتحدة.. وهو ما لم يحدث بعد.

* رئيس مركز مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بين عامي 1997 و1999 ويشغل حاليا منصب رئيس قسم الدراسات العليا في برنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»