دم ملوث ولجنة للأسرى

TT

ليس لك ان تسعد كثيرا او تحزن كثيرا ان احبّتك بغداد الحكومة او كرهتك، لان احدا هناك لم يسمع من قبل بالجرعات المتوسطة، فإما الحب كله او الكره كله، واغلب الظن ان من احبّته بغداد كثيرا لاحقا ستكرهه كثيرا جدا! هذا ما حدث للفرنسيين الذين كانوا في السنوات الاخيرة اهل حظوة يستمع اليهم ويقدم مبعوثوهم في صدر المجالس ويمنح تجارهم الاولوية ويقدمون نموذجا للفكر السياسي المستقل بخلاف بريطانيا المستعبدة من قبل الولايات المتحدة.

هكذا كان الحال، اما اليوم فقد انقلب الحب الى بغض، وتفننت وسائل الاعلام العراقية في رمي الفرنسيين بما هو سيئ، فهي تعتبرهم شريري اوروبا بعد ان كانوا ملائكتها! وتجاوز سباب بغداد حدوده وراح كل موظف مكلف يبحث في قاموسه عن قصة يلصقها بالفرنسيين لانهم رفضوا طلب بغداد في مجلس الامن، وهم رفضوا لان الحكومة العراقية بكل بساطة تطلب المستحيل، تريد رفع العقوبات عن الحكومة قبل الناس. ومن القصص التي وزعتها بغداد ضد باريس ضمن حملتها الدعائية العدائية ان الفرنسيين صدروا لها دما ملوثا بالايدز! ولحسن حظ الفرنسيين ان احدا لم يلق بالاً للروايات التي اذيعت ضدها، ان كانت كذبا او صدقا، والسبب ان كثرة الاكاذيب جعلت من اخبار بغداد مثل روايات الف ليلة وليلة.

وكانت روسيا قد تعرضت من قبل الى هجوم مشابه لم يلتفت اليه احد ايضا للسبب نفسه حيث اتهمت الحكومة العراقية الروس بانهم باعوا موقفهم للاميركيين بالمال، كما لو ان بغداد نفسها قد حظيت بتأييد موسكو حباً في حزب البعث العراقي او اعجاباً بالحكومة.

وفي اطار نشاطات وزارة الخارجية العراقية التي لا تكل، طرحت الوزارة فجأة فكرة جديدة تقترح فيها تشكيل لجنة من حكومات عربية للتحقيق في قضية الاسرى الكويتيين، وهو امر تشكر بغداد على التفكير فيه بعد عشر سنوات من السب والشتم والرفض المتواصل.. طرح عقلاني، لكن لماذا تريد بغداد تشكيل لجنة كما لو ان هذه القضية بحاجة الى المزيد من التعقيد اكثر مما هي عليه اليوم! اي لجنة تستطيع ان تفتش سجون العراق التي لا يعرف احد عناوينها؟! اننا نتحدث كما لو ان العراق عضو جديد انضم البارحة فقط الى الجامعة العربية، لا عضو متمرس في التسويف والتهرب حتى في حق سجناء حرب ايران الذين اطلق سراحهم فقط العام الماضي بعد 13 سنة من صمت المدافع واعلان الصلح ونفي متواصل لوجود الاسرى.

ان العراق لن يستطيع قط اقناع احد دون ان يقدم الدليل على حسن نيته، فوعوده ارخص من ثمن كارترج حبر الكومبيوتر الذي تكتب به من كثرة ما مزق من اتفاقيات وضلل زعماء وغدر بأصحاب. محاولته الجديدة تتطلب منه اظهار الدليل الذي نتمنى ان نراه من بغداد في اي قضية كانت سواء في حق الدول الاجنبية او العربية.