اللصوصية فن

TT

ورد في الأنباء أن فرنسياً عثر على 100 ألف يورو في إحدى حاويات القمامة.

وكانت النقود مخبأة داخل صندوق معدني عثر عليه الرجل في حاوية القمامة بالقرب من مدينة ليل في شمال البلاد.

ومن المفارقات أن النقود كانت موضوعة داخل صندوق معدني يخص زوجين مسنين قررت ابنتهما التخلص منه بعد أن انتقل والداها للعيش في دار المسنين دون أن تعرف بالطبع ما بداخله.

وقال الرجل الأمين للصحيفة إنه فكر في اللحظة الأولى أن يأخذ هذه النقود ويحقق بها حلمه في شراء سيارة كارفان، ولكنه عاد بعد ذلك لصوابه وقرر إعادة النقود لصاحبها.

تستطيعون أن تقولوا عن ذلك الرجل ما شئتم من النعوت ابتداء من (العبط)، وانتهاء بأن (وجهه ليس وجه نعمة)، ولكنني أظن أن الذي دفعه إلى ذلك هو الأمانة التي حركها الضمير.

وهو تماماً عكس لصين محترفين؛ الأول أسترالي يدعى (كونت فيكتور)، والثاني أمريكي يدعى (دانيل كولين).

ففي صيف عام 1925 قام هذان المحتالان باستئجار جناح بأحد الفنادق، ووجها دعوة إلى مجموعة من رجال الأعمال، وأخبراهم بأنهما يشغلان منصباً في الوزارة، وأنهما مندوبان لبيع برج إيفل، وكان التاجر الفرنسي أندريه بواسون هو المغفل، إذ قرر شراء البرج، ولكن المحتالين أخبرا الرجل بأن عليه دفع رشوة لكي يسهلا له الإجراءات وصدقهما، ودفع الرشوة، وتمت المبايعة والتوقيع على أوراق رسمية مختومة، وشرب الجميع نخب الصفقة.

ومن شدة حماس التاجر (بواسون) لم ينتظر، إذ أنه في ثاني يوم قرر إرسال المعدات لتفكيك البرج وبيع أجزاء منه كخردة، وصهر الأجزاء الأخرى للاستفادة منها في الصناعة، غير أن العملية افتضحت.

وهذا يؤكد أن (الغفلة) وحسن النية ليست مقتصرة علينا نحن العرب، وذلك عندما صدق بعض التجار الطيبين من صعيد مصر أحد الأفاقين عندما عرض عليهم شراء (الترام)، فكذلك أيضاً الأوروبيون لا يخلو بعضهم من سذاجة التصديق مثل ذلك التاجر الفرنسي.

وليس هناك أسوأ من السرقة مهما تغلفت بنوازع إنسانية، مثلما تحول لص تونسي في السبعينات والثمانينات إلى ما يشبه البطل الاجتماعي، واسمه: (علي شورب)، وحيكت حوله العديد من القصص والبطولات، ويقال إن الأهالي كانوا يسهمون في حمايته وإخفائه. وكان شورب في تونس يسرق المال ويوزعه على المحتاجين، من هنا انتشرت شعبيته.. وكان لا يأتمر إلا لأوامر أمه التي يطيعها طاعة كاملة.. وقد كان مادة ثرية للصحافة وموضوعاً للعديد من البحوث والدراسات التي صدرت في الكتب، ولكن ليس هكذا ما يجب أن تكون الوسائل والأمور، على أية حال قبض عليه فيما بعد وانتهى الأمر.

وإذا كنا نجد بعض العذر أو التعاطف مع هذا اللص التونسي، فما هو موقفنا مع ذلك اللص الأردني الذي لم تحلُ له السرقة إلا في عز زمهرير الشتاء وتساقط الثلوج في عمان، ويا ليته سرق شيئا (حرزان) وعليه القيمة، إن مزاجه وعينه لم تقع إلا على أحذية وشباشب المصلين الذين خلعوها أمام باب المسجد قبل أن يدخلوا للصلاة.

وأتى (أخينا بالله) وحاشها جميعاً في خيشة يحملها (وفص ملح وذاب)، وعندما خرج المصلون وهم يحمدون ويكبّرون، صدموا عندما لم يجدوا ولا حتى فردة حذاء واحدة، وذهبوا جميعاً إلى منازلهم حفايا وسط أكوام الثلوج.