مزرعة البشر

TT

حارب جورج أورويل الفاشية في إسبانيا بالبندقية وأصيب إصابة بالغة. وحارب الشيوعية بالقلم والفكر واضعاً، في هذا الباب، أشهر مؤلفين في القرن الماضي: «مزرعة الحيوان» و«1984». ارتعد من فكرة التوتاليتارية في أوروبا فذهب إلى إسبانيا يقاتلها، وارتعد من فكرة التوتاليتارية الشيوعية بعد انتصار السوفيات في الحرب العالمية الثانية، وخاف أن تتحكم ببريطانيا. فقد كان للسوفيات شعبية كبرى بين الأوروبيين، بعد انتصارهم على النازية ودحرهم الألمان في قلب برلين.

كان اورويل اشتراكياً حراً في قلبه. وكان يقول انه من أجل إحياء الاشتراكية الحقيقية لا بد من دحر الشيوعية السوفياتية وسلوكها الستاليني. ولذا حاول الشيوعيون أن يصوروه على انه مجرد عميل للرأسمالية الغربية. وأهملوا أو طمسوا مرحلته المهمة في إسبانيا. وقيل، فيما قيل، إنه سلم الخارجية البريطانية لائحة بـ135 مشتبهاً شيوعياً بعد الحرب. ولا تزال اللائحة موجودة بين أوراقه. وقد أعاد النظر فيها مرات عدة. وهو لم يرسلها إلى الخارجية بل بعث بها إلى امرأة تعمل في الخارجية كان يحبها في أيام مرضه الأخيرة، وهو يتداوى من السل الذي أصيب به، وقضى عليه العام 1950 وهو في الخامسة والأربعين من العمر.

لكن الثابت أن المؤسسة البريطانية استغلت «مزرعة الحيوان» و«1984» وساهمت في الترويج لهما. ومولت الخارجية نشرهما في لغات العالم الثالث، وبينها العربية. وكانت الطبعات الأوروبية تحمل صور حيوانات كما هي في الرواية، لكن غلاف الطبعة العربية كتب عليه «ستالين» و«هتلر» للمزيد من الشرح والتأكيد.

يعرف قاموس أوكسفورد جورج اورويل بأنه أول من استخدم مصطلح «الحرب الباردة» باللغة الانكليزية. ولا شك انه كان جزءاً منها وحتى من الحرب الحارة، خلال عمله في البي بي سي، قسم الدعاية المضادة. لكن الآن وقد انتهت الفاشية في إسبانيا والشيوعية في موسكو وزالت الحرب الباردة، تحولت كتابات اورويل إلى أعمال كلاسيكية تقرأ في كل زمان ومكان على أنها تحف أدبية غير مرتبطة بمرحلة معينة أو بأبطال معينين. فمن منا يعرف من الرجل المقصود بحكاية الثعلب أو القرد أو الفيل في حكايات كليلة ودمنة. ومَن منا كان يذكر كافور لولا المتنبي، أو ماكبث لولا شكسبير. غريب أمر السادة الأدباء، يديمون ذكرهم وذكر من يحبون ومن كرهوا.