جرح الإهانات

TT

منذ وقت ليس ببعيد، ربما كان الهجوم اللفظي الذي شنه عضو مجلس النواب جو ويلسون ـ بقوله «أنت تكذب!» ـ سيفرز نتيجة مغايرة تماما. بدلا من توبيخ مجلس النواب الأميركي لويلسون، ربما كنا سنواجه إمكانية تنظيم مبارزة.

في الحقب الأولى من التاريخ الأميركي، لم يكن وصف امرئ ما بالكاذب بإهانة هينة، وإنما كانت تعد بمثابة مساس مباشر بالشرف. أما الاستجابة الملائمة لذلك فتنوعت تبعا للمنطقة. وفي المناطق التي كان تشيع بها المبارزة ـ مثلما الحال في ولاية كارولينا الجنوبية التي ينتمي إليها ويلسون ـ كانت تشيع الإهانات أيضا.

وفيما يلي مقال ورد بصحيفة «نيويورك تايمز» عام 1882 يصف أسلوب التفكير السائد آنذاك في إطار تناوله قضية تخص شخصاً يدعى جون غود نعت آخر يدعى بيلي بأنه كاذب.

يؤكد المقال أن «ما من شيء سوى الدم بإمكانه محو هذه الإهانة». وأشار الكاتب إلى أنه رغم أن قوانين الفروسية والشهامة من المفترض أنها سائدة، فإن «اللغة المستخدمة في مهاجمة الأفراد أكثر بشاعة وتجريحا بكثير في المناطق التي لا يتم اللجوء فيها إلى مبارزات كجهة فصل نهائية بين الرجل الذي أهين والآخر الذي أهانه. في الشمال، تشير بعض المزاعم إلى أننا عنصر يتسم بالجبن والخوف. لكننا نشك بقوة فيما إذا كان أي مشرع أو شخصية عامة يجرؤ على التنديد بآخر باعتباره «كاذبا». في الوقت ذاته نجد أنه في الجنوب، حيث يسود قانون الشرف، يعد تبادل مثل هذه الإهانات أمرا ممكنا، بل ويعيش ويزدهر الرجال الذين يتبادلون مثل هذا السباب».

في الأسبوع الماضي، تسرعت عندما كتبت قائلة إن ويلسون ربما فقد جمهور مؤيديه بسبب أسلوبه الخشن. في الواقع، دائما ما تسقطني التكهنات في مشكلات. بدلا من ذلك، تحول ويلسون إلى بطل، حيث تشير تقارير إلى أنه ومنافسه على إعادة الانتخاب، روب ميلر، جمعا أكثر من مليون دولار لكل منهما منذ ثورة الغضب التي اجتاحت ويلسون.

من كان يحسب أن سباقا انتخابيا في كارولينا الجنوبية للفوز بمقعد في الكونغرس يمكن أن يتحول إلى استفتاء على إدارة أوباما؟ الآن، تحول السياسيون المجهولون نسبيا إلى شخصين يجسدان وجهتي نظر متعارضتين في إطار مبارزة بينهما: المكذبين في مواجهة المصدقين.

في الوقت الذي انقسم الأميركيون على امتداد الأيام القليلة الماضية بين مؤيد ومعارض، عمد البعض إلى تبرير كلمات ويلسون لاعتقادهم بأنها صادقة. بالتأكيد، يمكننا القول بأن تأكيدات أوباما لم تكن دقيقة 100%، لكن يبقى سلوك ويلسون غير قابل للتبرير.

لماذا؟ لأن الحضارة لا تعدو مجرد فكرة هشة وحساسة، يساعد على تماسكها بضعة خيوط ترتبط ببعضها بعضاً بالموافقة المتبادلة. والملاحظ الآن أن ظهور علامات تهرؤ بهذه الخيوط بات ظاهرة يومية في الوقت الحاضر ـ بدءاً من نوبة الغضب الوقحة التي أصابت كاني ويست خلال حفل توزيع جوائز المقاطع الموسيقية المصورة، وصولا إلى التهديدات البشعة التي أطلقتها نجمة كرة المضرب الأميركية سيرينا ويليامز اعتراضا منها على قرار تحكيم.

الواضح أنه عبر مختلف قطاعات المجتمع، يتصرف الناس على نحو سيء. وحتى أولئك الذين يحتلون مراتب عليا داخل مجالهم ويتمتعون بالثروة والمكانة الرفيعة لم يعد من الممكن الاعتماد عليهم للتصرف على نحو يجعلهم قدوة للسلوك الحسن. وإذا كان هناك مكان واحد فقط نأمل في أن نعثر فيه على أشخاص يتصرفون باحترام، فإنه سيكون، حيث يجتمع المسؤولون المنتخبون لممارسة الحكم للإنصات إلى الرئيس.

إن الناس الذين يتولون مناصب ذات سطوة ونفوذ يتحملون واجب التصرف على نحو رفيع المستوى، فإذا لم يفعلوا هم ذلك، فمن سيفعله؟

من ناحية أخرى، فإن تسوية التساؤل حول ما إذا كان الرئيس تحدث على نحو تعوزه الدقة عندما قال إنه ما من شيء في «جهودنا الإصلاحية» سيدفع تكاليف الرعاية الصحية اللازمة للمهاجرين غير الشرعيين أو المرتبطة بعمليات الإجهاض، ليست بالأمر البسيط. المؤكد أن هيئة أبحاث الكونغرس التي تضم أعضاء من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري خلصوا إلى أن «قانون الخيارات الصحية الممكنة» ليس به ما يحول دون شراء المهاجرين غير الشرعيين لتأمين عام طبقا لتبادل التأمين الصحي المقترح. علاوة على ذلك، أكدت المجموعات المعنية بتقصي الحقائق أن مشروع القانون يتضمن ثغرات يمكن من خلالها استغلال الإعانات العامة في شراء تأمين لتغطية عمليات الإجهاض.

من جهتها، تعكف لجنة الشؤون المالية في مجلس الشيوخ على محاولة سد هذه الثغرات في النسخة التي ستطرحها من مشروع القانون. إلا أنه رغم وجود هذه الثغرات، فإنها لا تشكل مبررا لنوبة الغضب التي أصابت ويلسون. وإذا منحنا الرئيس حق الانتفاع بقرينة الشك، سنجد أنه كان يتحدث عن جهود إصلاحية، وليس مشروع قانون محدد. وبإقدامه على ذلك، خلق أوباما مشكلة سياسية لنفسه، لأنه ليس هناك واحد من مشروعات القانون المطروحة حتى الآن تقترب من التوافق مع مستوى خطاباته.

من ناحية أخرى، فإن هناك سبلا متنوعة أمام أعضاء الكونغرس للإعراب عن اعتراضهم على أفكار الرئيس أو مقترحات معاونيه. أما المبارزة فقد ولى عهدها، حتى داخل كارولينا الجنوبية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»