إيران: محاكمات بالجملة

TT

ما تزال إيران تشهد محاكمات لعشرات الشخصيات الإصلاحية، الذين اعتقلوا خلال أحداث الشغب التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، بتهمة التحريض علي أعمال العنف والشغب، بهدف القيام بثورة مخملية وإسقاط الحكومة الحالية في إيران.

ويمثل أمام محكمة الثورة العديد من قادة الحركة الإصلاحية من زعماء حزب جبهة المشاركة، ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، وكوادر البناء من أنصار الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وأفراد ينتمون إلي منظمة تعمل علي إعادة الحكم الملكي في إيران.

كما مثل عدة أجانب ألقي القبض عليهم خلال المظاهرات وأعمال الشغب، ومن أبرزهم أستاذة اللغة الفرنسية كلوتيد ريس، التي أعلنت أنها شاركت في المظاهرات، وقدمت تقريرا لسفارتها في طهران عن الأوضاع في إيران، والتي أفرج عنها بكفالة مالية.

ومثل أمام المحكمة موظف إيراني يعمل في السفارة البريطانية في طهران، واعترف في أثناء محاكمته بدوره في إعداد تقارير للسفارة عن الاضطرابات والاتصال بشخصيات سياسية، والحصول علي تقارير عن الأوضاع في إيران، كما أشار إلى دور فعال للدبلوماسيين البريطانيين في الأحداث الأخيرة، وخاصة مشاركتهم في التظاهرات وزياراتهم للمراكز الانتخابية للمرشحين الإصلاحيين والإعلان عن دعمهم لهم.

ومن بين من مثلوا أمام المحكمة أميركي من أصل إيراني وهو كيان تاجبخش، يعمل مع مؤسسة بحثية أميركية وهي مؤسسة سوروس، وكان قد اعتقل قبل عامين وأفرج عنه وعاد أخيرا الي إيران للقيام بالمهمة نفسها، أي العمل علي إنجاح ثورة مخملية في إيران بمساعدة إصلاحيين، كما أعلن في الجلسة الرابعة للمحكمة الثورية. ومن بين الذين مثلوا أمام المحكمة محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، الذي تحدث في الجلسة الأولى من المحكمة عن مهمته ونشاطاته خلال الأحداث التي أعقبت الانتخابات، مؤكدا بأن تزوير الانتخابات في إيران أمر غير صحيح، مشيرا بأن الانتخابات الرئاسية جرت بكل شفافية، ولم يجر أي تزوير خلافا لما أعلن عنه المرشح مير حسين موسوي.

وكانت تصريحات محمد علي أبطحي، قد فجرت سجالا في الأوساط السياسية والصحافية ووسائل الإعلام الأجنبية، حيث صرح مقربون من أبطحي، بأن نائب الرئيس الإيراني السابق قد أعطي حبوب الهلوسة، وخضع لغسل دماغ وخضع لضغوط داخل السجن، وأن تصريحاته حول عدم حدوث تزوير يصب في خانة المحافظين. ولكن أبطحي خرج بعد يومين وأعلن في مقابلة مع التلفزيون بأنه قال كلامه بعيدا عن الضغوط أو التعذيب وبملء إرادته، مشيرا إلى أن الإصلاحيين أخطأوا في التقدير، وتسرعوا في إطلاق التهم، وكانوا سببا في الاضطرابات الأخيرة، دون أن يحققوا من وراء خططهم أي فائدة لهم وللبلاد.

وأخذ الاصلاحيون علي المحكمة أنها ساقت العشرات من المتهمين ولا سيما زعماء التيار الإصلاحي إلى جلساتها دون أن تسمح للمتهمين أن يوكلوا محامين عنهم، بل إن المحكمة كلفت محامين للدفاع عن المتهمين. وقد مثل أمام المحكمة أشخاص زعموا بأنهم شاركوا في إدارة موقع «جمهوريت» علي شبكة الإنترنت، كان يعمل للدعاية لصالح الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أثناء حملته الانتخابية عام 2005، والذي هزم أمام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، واتهم هؤلاء الأشخاص مهدي رفسنجاني، نجل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بصرف ملايين الدولارات علي الحملة الانتخابية لوالده من أموال الدولة.

والملفت في جلسات المحكمة، مثول عدد كبير من الشخصيات الإصلاحية التي كانت تتولى مناصب عليا في عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، ومن أبرزهم صفائي فراهاني، نائب الرئيس الإيراني محمد خاتمي، وعبد الله رمضان زاده، المتحدث السابق باسم حكومة خاتمي، ومحسن أمين زاده، نائب وزير الخارجية في عهد خاتمي، ومحسن مير دامادي، الأمين العام لحزب جبهة المشاركة، والرئيس السابق للجنة السياسة الخارجية في البرلمان، ومصطفي تاج زاده، نائب وزير الداخلية السابق، وبهزاد نبوي، وزير الصناعة السابق، وأحد زعماء التيار المتشدد. وأكثر هؤلاء كانوا يمثلون أمام المحكمة بملابس السجن دون أن يشاركوا في الدفاع عن أنفسهم أو يردوا علي أسئلة القاضي.

وجاءت محاكمه زعماء التيار الإصلاحي المتهمين بالعمل علي الإطاحة بالحكم الإسلامي في إيران بعد حوالي شهرين من بدء المظاهرات والاضطرابات وأعمال العنف، التي أشعلت الشارع الإيراني، وأودت بحياة عشرات الأشخاص، وألحقت خسائر كبيرة بالأموال العامة، وزعزعت الوضع الأمني في البلاد، ولكن قوات حرس الثورة (الباسداران) وقوت التعبئة (الباسيج) تمكنت من السيطرة على الوضع وإعادة الهدوء إلى البلاد والحيلولة دون استمرار المظاهرات وأعمال العنف. ومن الطبيعي أن أعمال العنف التي عصفت بإيران سوف لن تمح آثارها بسهولة، وبين ليلة وضحاها، ولكن ما يمكن الإشارة إليه هو خيبة أمل الذين كانوا يراهنون علي إسقاط النظام ويأملون بحدوث ثورة ضد النظام الحالي.

وكان الأوروبيون في مقدمة الجهات التي صفقت وهللت للتظاهرات وأعمال العنف، وحرضت علي استمرار التوتر في إيران، علهم يتمكنون من إسقاط النظام الحالي الذي يعتبرونه نظاما متطرفا، والإتيان بنظام يتلاءم مع تطلعاتهم وأهدافهم ومصالحهم، التي يرون أنها تضررت بمجيء نظام ولاية الفقيه في إيران. إن محاكمة زعماء التيار الإصلاحي يظهر بوضوح أن الإصلاحيين خسروا للمرة الثانية اللعبة أمام المحافظين، الذين يسيطرون علي مراكز القرار وبيدهم كل مستلزمات ومتطلبات المواجهة، وكان الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، قد أدرك في وقت مبكر أن مواجهة التيار المحافظ تتطلب ظروفا ملائمة لم ير توفرها عند إجراء الانتخابات في 12 يونيو (حزيران) الماضي، ولهذا انسحب من المنافسة الانتخابية، ليترك المجال مفتوحا أمام مير حسين موسوي، الذي شارك في الانتخابات، وكانت نتيجتها هزيمته التي لم يعترف بها، ويصر حتي الآن علي وجود تزوير في الانتخابات، في الوقت الذي يؤكد فيه زملاؤه في الأحزاب الإصلاحية أمام محكمة الثورة أنه لم يحصل أي تزوير خلال الانتخابات الأخيرة.

* كاتب وصحافي إيراني