من حال إلى حال

TT

الإعلان الكبير عن فوز دولة البرازيل باستضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2016، وتحديدا في مدينة ريو دي جانيرو، هو تذكرة جديدة وإضافية على أن العالم يتغير وأن هناك لاعبين جددا. فازت المدينة بعد منافسة محتدمة ضد مدن طوكيو وشيكاغو ومدريد. طوكيو كانت أول الخارجين تلتها مدينة شيكاغو التي كانت تحاول دعم ترشيحها بحملة علاقات عامة قوية يتصدرها حضور شخصي للرئيس الأمريكي وابن المدينة نفسها، باراك أوباما، وكذلك نجمة الحوار التلفزيوني، أوبرا وينفري، إلى مدينة كوبنهاجن الدنماركية، مكان إعلان اللجنة الأولمبية الدولية عن المدينة الفائزة. كان لمدريد فرصة طيبة بالفوز، ولكن ما كان يقف ضدها هو أن لندن، وهي مدينة أوروبية أخرى، هي التي ستستضيف الدورة الأولمبية لعام 2012 . وريو دي جانيرو تقع في أمريكا اللاتينية التي لم يسبق لها استضافة أي دورة أولمبية من قبل. وقد قاد الوفد البرازيلي عدد من الشخصيات العامة اللامعة مثل الرئيس الحالي لولا، وأسطورة كرة القدم العالمي بيليه، والأديب الأكثر مبيعا باولو كويلهو وغيرهم.

البرازيل تعبر عن العالم الجديد، عالم متعدد الأعراق ينتمي للنصف الجنوبي من الكرة الأرضية، الذي عرف بالفقر والتخلف والمرض والجهل. ولكن البرازيل، وهي أكبر دول أمريكا اللاتينية ويتحدث أبناؤها اللغة البرتغالية، بعد أن كانت تعرف بتصدير كرة القدم ورقصة السامبا والجاز اللاتيني، وكذلك بكرنفالها الأشهر في شهر فبراير بمدينة «ريو» وشاطئها الكبير كوباكوبانا، وتمثال على أعلى جبل فيها، وعمليات التجميل غير العادية، تحولت البرازيل لدولة جادة ومن أهم الاقتصاديات الناشئة بالعالم، بل إن المحللين الاقتصاديين يقدرون أن الاقتصاد البرازيلي سنة استضافة الألعاب الأولمبية المنتظرة سيكون خامس أكبر اقتصاد بالعالم. مذهل! البرازيل اليوم بها واحدة من أكبر شركات إنتاج الدواجن (ساديا)، وهي أيضا من أهم المصدرين للورق والأخشاب والحديد والسيراميك والجلود والمفروشات والمعادن. البرازيل دولة يفوق عدد سكانها الـ200 مليون نسمة وتزيد مساحتها على الثلاثة ملايين ونصف المليون ميل مربع، بها السكان الأصليون من الهنود الحمر وهاجر إليها البرتغاليون والإسبان والإيطاليون والألمان والأفارقة وأتت إليها جالية عربية تزيد على العشرة ملايين نسمة، معظمها من لبنان وسورية وفلسطين.

البرازيل تمثل واقعا مهما للتحول من فوضى العالم الثالث والانفلات والفساد وحكم العسكر المَوْتور إلى جدية الحكم الرشيد وتنوع الاستثمار وتوسيع قاعدة الاقتصاد واستغلال الموارد بشكل فعال. البرازيل لا تزال تمثل اختراقا أهوج للتعدي على البيئة، فغابة الأمازون تعتبر «رئة» العالم، وبلغت التعديات على البيئة معدلات مركبة، مما أثر على التوازن الدقيق للغابات والهواء والبحار، وكذلك لا تزال معدلات الفقر والجريمة في المدن الكبرى معدلات كبرى ومخيفة، إلا أن هناك خططا جادة لمواجهة هذه التحديات، وعاما بعد عام تواجه البرازيل هذه التحديات بمعايير حكم رشيد متطور ونتائج اقتصادية متقدمة، مما ينعكس ذلك على حال البلاد ككل وثقة المواطن فيها، وطبعا ثقة المستثمر الدولي أيضا. في يوم من الأيام كانت البرازيل دولة «أنس وفرفشة» فقط، والآن تحولت لدولة جادة اكتسبت احترام العالم وتوجت هذا الاحترام بنيلها حق استضافة الألعاب الأولمبية.

[email protected]