لا عسف في «النهار»

TT

ثارت ضجة في لبنان وبعض العالم العربي حول كلام صحافي عن قرار «النهار» بصرف نحو 50 محررا وموظفا بسبب متاعبها المالية. وأوحى هذا الكلام أن جريدة لبنان الأولى تعاني من أزمة في حين أن بقية الصحف اليومية غارقة في الازدهار والانتعاش وزيادة التوزيع. ولا صحة للأمرين. الأول، لا يمكن لصحيفة في عراقة «النهار» وتاريخها وتاريخ ـ ونوعية ـ علاقتها بأهلها، أن تقدم على صرف جماعي أو تعسفي من هذا النوع.

وفي اعتقادي، بل وقناعتي أنه إذا كانت أزمة «النهار» إلى هذا الحد، وهي ليست كذلك، فإنها تفضل طي 75 عاما من الاستمرارية على أن يدوَّن في تاريخ عراقتها المديد، أنها خرقت قواعد العقد الأخلاقي غير المكتوب، بينها وبين أولئك الذين كانوا جزءا منها لعقود طويلة.

استدانت «النيويورك تايمس» كبرى صحف العالم، 250 مليون دولار، من الثري المكسيكي كارلوس سليم الحلو. وليس من صحيفة كبرى في العالم غير واقعة في أزمة مداخيل ونقص في الإعلانات. لكن «النهار» ليست في أزمة وجود. ولا يزال دخلها وتوزيعها يوازي دخل وتوزيع عدد كبير من الصحف اللبنانية مجتمعة. ولم تعط «النهار» مكانها ومكانتها لأحد بعد. ولم يحدث في تاريخها أن طلبت من صحافييها أن يتقاسموا معها وقع المحن وتأثيرها، فلا خفضت راتبا، ولا ضاعفت عبئا، ولا رمت أحدا من النوافذ إلى المجهول.

كثيرون من أصحاب الأسماء التاريخية في الصحافة اللبنانية بدأوا حياتهم في «النهار» وأنهوا حياتهم فيها. ونادرا ما ترك ركن فيها ركنه إلا في لحظات نادرة ومريرة. وإذا كان من تاريخ «مالي» لـ«النهار»، فهو أنها الصحيفة التي رفعت مستوى الدخل وحولت العمل من حرفة إلى صناعة واستمرارية وشراكة في الربح والنجاح والتألق.

كان الكلام عن أزمة «النهار» مفيدا من حيث لا يقصد. لقد أظهر مدى ما تعنيه كمؤسسة للبنان وللعالم العربي وللصحافة العربية. ولعل التعبير باسم تلك الصحافة جاء باسم الزميل داود الشريان في «الحياة» الذي قال إنها ليست دارا صحافية بقدر ما هي صرح قومي من صروح النجاح والفكر والقيم الأخلاقية.