حسني والمؤامرة الصهيونية!

TT

بعد خسارة وزير الثقافة المصري فاروق حسني منافسة منصب رئاسة منظمة اليونسكو انهال سيل من التعليقات يعتبرها كارثة، ويعزوها إلى مؤامرة صهيونية عالمية، وهي لم تكن سوى منافسة أخرى على منصب آخر من المناصب الدولية العديدة.

وفي الأسبوع الذي تلاه أصيب الرئيس الأميركي بلطمة كبيرة عندما خسرت مدينته شيكاغو منافسة استضافة ألعاب الأولمبياد التي راحت لمدينة ريودي جانيرو البرازيلية.

سافر باراك أوباما شخصيا إلى مقر التصويت في الدنمارك، مصطحبا معه من أهل النفوذ والدعاية الإعلامية. ثم عاد في طائرته العملاقة يجر أذيال الخيبة. أمام عشرات الصحافيين الذين استقبلوه بعد الخسارة، قال لهم: «أنتم تعلمون أن الفريق الجيد يمكن أن يلعب مباراة جيدة ومع هذا قد يخسر المباراة. ونحن خسرنا المنافسة وسنسعى لكسب غيرها لاحقا». لم يسمها مؤامرة، ولم يَلُمْ أحدا رغم أنه أقوى رئيس في العالم نفوذا، وحظ بلاده في استضافة الأولمبياد العالمية أفضل بحكم استكمال منشآت شيكاغو الرياضية، ومواردها المالية هي الأضخم بين المدن الأربع المتنافسة. خسر أوباما لأن الأمر ببساطة، الأغلبية صوتت هذه المرة لدولة أخرى، أمر يحدث في كل منافسة.

الذي أعنيه أننا بعد سنين من تجارب متكررة نُصرّ على منح إسرائيل لقبا لا تستحقه، قاهرة العرب في السماء والأرض. مؤهلات أقرب إلى المعجزات في حين أن كل من يعرف العمل العام، ومنه السياسي، يدرك أن هذه القدرة الإسرائيلية المفترضة محض خرافة، ومن بينها هزيمة الوزير حسني التي لا تعدو كونها مباراة أخرى يمكن أن يخسرها أفضل المرشحين.

والاعتقاد بأن إخفاق وزير الثقافة في تبوؤ كرسي اليونسكو كارثة فيه تقزيم لمصر أيضا، التي هي، عمليا، دولة أكبر من أن تحصر قيمتها في كرسي مؤقت. كما أن فيه تضخيم من أهمية اليونسكو التي لا تعدو كونها منظمة ثقافية عديمة الحيلة، لا تقارن أبدا برئاسة الأمم المتحدة أو وكالة الطاقة الذرية، الأهم كثيرا، اللتين أدارهما مصريان.

ومع أنني قرأت بعض ما كتب ضد الوزير حسني واتهمه ظلما بالكراهية وحرق الكتب، لكنها لا تعدو آراء يعتاد على مثلها كل وزير ومشتغل في المناصب العامة، أما التصويت على كرسي اليونسكو فقد كان عملا سياسيا يمارس بشكل متكرر عند التصويت وفي معظمه له حسابات تخص كل دولة. أما اتهام إسرائيل بأنها السبب، ففيه تقليد لها وسام البطولة الذي لا تستحقه.

علينا أن نعتاد دائما على الهزائم طالما أننا نطمح للفوز، فهذه سُنة الحياة، إلا إذا قررنا البقاء في بيوتنا والإحجام عن خوض المنافسات، حينها لن تكون هناك إخفاقات ولن نحصل على بطولات أيضا. مصر أكثر دولة عربية، بل من أكثر الدول النامية، التي تبوأت مناصب عالمية، رغم أنها ليست أكبرها حجما أو سكانا أو أغناها موارد، وهذا في حد ذاته كافٍ للشعور بالرضا لا المرارة والغضب. أما إسرائيل العظمى في أعيننا لم تفلح في أن تتبوأ أي منصب دولي في أي منظمة في تاريخها كله.