العالم.. بعد عام من دخول أوباما البيت الأبيض

TT

لا شك في أن العالم بأسره, وفي طليعته الشعب الأميركي, تنفس الصعداء بعد انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة. أولا, للمعنى السياسي والإنساني الكبير لانتخاب أميركي أفريقي الجذور رئيسا لأقوى دولة في العالم. وثانيا, لأن انتخابه يطوي صفحة حكم الرئيس بوش والمحافظين الجدد, التي حملت الولايات المتحدة والعالم أعباء وأوزار حروب وعداوات وتوترات دولية وأزمات اقتصادية ومالية خطيرة. وأيضا, لأن أوباما خاض المعركة الرئاسية بشعارات وأهداف واعدة ومؤملة.

واليوم, وقد مر عام تقريبا على دخول باراك أوباما البيت الأبيض، يقفز إلى شفاه المراقبين والمحللين سؤال طبيعي: ماذا تحقق بعد هذا العام الأول من ولاية الرئيس الأميركي الجديد؟ هل نجح في تحقيق وعوده؟ هل تحسنت العلاقات الدولية وفرص السلام في العالم؟ هل ضبطت الأزمة المالية والاقتصادية التي هزت العالم في آخر سنوات حكم بوش؟ هل تحلحلت قضية السلام في الشرق الأوسط؟ هل خف التوتر بين المجتمع الدولي وطهران بشأن التجارب النووية؟ هل تتجه الأوضاع في أفغانستان وعلى الحدود الباكستانية ـ الأفغانية نحو الحسم والاستقرار، أم نحو التصعيد والتفاقم؟

للوهلة الأولى, يمكن القول إن كل هذه الأزمات والمشكلات ما زالت عالقة، وإن الرئيس الأميركي الجديد لم ينجح، حتى الآن, في تحقيق اختراقات حاسمة، باستثناء، ربما, في ما يتعلق بضبط الأزمة المالية وتحقيق انفراج في العلاقات الأميركية ـ الروسية. ولكن نظرة ثانية إلى الأمور تكشف عن انفراج ملحوظ في العلاقات الدولية، وعن تحسن في علاقات الولايات المتحدة بالعالم، وعن دخول العالم، ولا سيما الدول الكبرى والصناعية، في مرحلة جديدة من التعاون والتضامن في مواقفها من القضايا التي تهدد السلام والاقتصاد والمناخ العالمي. وفي هذا كله مؤشر على أن العالم قد تغير بعد سنة من انتخاب أوباما، أو دخل في حقبة تاريخية جديدة، أو بات يقف على عتبة هذه المرحلة.

تمر الأيام سريعة. وعام 2010 قد يكون عام القرارات أو الخطوات الحاسمة بالنسبة للرئيس الأميركي الجديد. على الأقل بالنسبة لأزمات ثلاث: محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والعرب، الملف النووي الإيراني, المسألة الأفغانية ـ الباكستانية. ذلك أن هذه الأزمات الثلاث باتت تشكل نواة كل التوترات وصاعق كل التفجيرات في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ثم إن ملفات حلها باتت جاهزة «على الورق»، والمطلوب هو اتخاذ قرارات تنفيذها. أي إرغام إسرائيل على احترام القرارات الدولية، أي التوصل إلى حل بين إيران والمجتمع الدولي حول سلمية المشروع النووي الإيراني، أي تحجيم خطر حركة طالبان في أفغانستان مع تعزيز قدرات الدولة الأفغانية الجديدة، غير أن الحل النظري شيء وتنفيذ الحل شيء آخر. ولكي يصبح التنفيذ ممكنا لا بد من مشاركة الدول الكبرى مع الولايات المتحدة، بصدق وعزم, بالإضافة إلى تعاون الدول المجاورة والمعنية مباشرة بهذه الأزمات. كما لا بد من اقتناع ـ أو إرغام ـ الأطراف الرافضة، على القبول أو الرضوخ، وفي مقدمها إسرائيل. ذلك أنها تشكل الطرف الأكثر استفادة من كل التوترات والاضطرابات والحروب التي تمزق شعوب دول الشرق الأوسط العربية منها والإسلامية, وتحول دون تضامنها وتوحيد كلمتها.

إن الرئيس أوباما قد أدرك ـ أو سيدرك ـ أن من أهم مفاتيح أبواب السلام في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة من العالم, هو تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم على أساس قرارات الأمم المتحدة أو قرار القمة العربية. وعلى إسرائيل أن تدرك أن الولايات المتحدة والغرب والمجتمع الدولي بأسره لا يستطيع تحمل نتائج معاداة مليار ونصف مليار من المسلمين والعرب، وتعريض السلام والاستقرار في العالم, إكراما لعيون نتنياهو وليبرمان واللوبي الإسرائيلي في واشنطن ونيويورك. لا سيما أن المطلوب، دوليا وعربيا، ليس «إزالتها من الوجود», بل احترامها لبعض قرارات الأمم المتحدة.

لقد نجح الرئيس أوباما، إلى حد ما, في تغيير الصورة التي رسمها سلفه الرئيس بوش للولايات المتحدة في نظر العالم، والشعوب العربية والإسلامية، إذ أحل لغة الحوار محل لغة الاتهامات، وسياسة المشاركة الدولية محل سياسة التفرد، والانفتاح محل المجابهة. ولكن هذا الفجر الدولي الجديد لم تطلع شمسه بعد. وإذا لم تبزغ في العام القادم فإنها لن تبزغ في السنوات التالية من ولاية أوباما، للأسباب السياسية الداخلية الأميركية التي يعرفها الجميع. ولا نغالي في اعتقادنا بأن «الجولة» الحاسمة التي بها يتقرر نجاح أو فشل الرئيس الأميركي, في حلحلة أو حل الأزمات والقضايا التي تهدد السلام والاستقرار في الشرق الأوسط, وبالتالي في العالم, إنما تلعب في واشنطن بين اللوبي الإسرائيلي وإدارة الرئيس بوش.