استرضاء روسيا لن يجدي

TT

لم يحب القادة الروس مطلقا فكرة أن الولايات المتحدة وبولندا وروسيا وجمهورية التشيك كانوا يتعاونون في خطة إنشاء الدرع الصاروخية لمواجهة التهديد الإيراني الناشئ. وكانت فكرة أن الدولتين السابقتين في معاهدة وارسو اللتين كانت موسكو تسيطر عليهما ستستضيفان 10 منصات لإطلاق الصواريخ الاعتراضية في بولندا ومحطة رادار في جمهورية التشيك غير مقبولة. وزعم قادة الكرملين أن المقصود من المنظومة استهداف روسيا، وليس مواجهة إيران، وهددوا بوقف مفاوضات غير متصلة بالموضوع حول الحد من الأسلحة مع الولايات المتحدة، إلا إذا تراجعت واشنطن.

وبإعلان إدارة أوباما أخيرا أنها بالفعل تتخلى عن المواقع البولندية والتشيكية، بدا أن شكوى موسكو قد نجحت. ولكن استسلام الإدارة للضغط الروسي خيانة خطيرة لحلفاء مخلصين في وارسو وبراغ تبنت حكومتهما مواقف غير شعبية بناء على طلب من إدارة بوش للمساعدة على مواجهة التهديد الناشئ من إيران. (وقد أضاف الإعلان عن ذلك التغيير في السياسة، الذي وافق الذكرى الخمسين للغزو السوفياتي لبولندا من حجم الإساءة بلا داع).

وفي أثناء الحملة الانتخابية عام 2008، أظهر أوباما قليلا من الحماس تجاه خطط الدفاع الصاروخي للرئيس بوش. ولكن بعد انتخابه، بدا أن أوباما يتخذ موقفا أقوى، أقرب إلى تفكير سلفه. وقد قال في براغ في 5 إبريل (نيسان): «يمثل النشاط النووي والصاروخي الإيراني تهديدا حقيقيا، ليس فقط على الولايات المتحدة، ولكن أيضا على الدول المجاورة لإيران وحلفائنا. وقد تحلت جمهورية التشيك وبولندا بالشجاعة في الموافقة على استضافة وسائل دفاع ضد تلك الصواريخ. وطالما استمر التهديد الإيراني، سنستمر في منظومة الدرع الصاروخية الفعالة ذات القدرات المؤكدة. وإذا توقف التهديد الإيراني، سيكون لدينا أساسا أقوى للأمن، ولن تكون هناك قوة محركة لإقامة درع صاروخية في أوروبا».

وأيا كان التفسير الرسمي لعدم الاستمرار، سيقرأ الكثيرون، ومن بينهم الكرملين، في هذا التحول محاولة لاسترضاء موسكو. ويؤكد الإعلان عن ذلك القرار قبيل اجتماعات أوباما مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف تلك الفكرة. وقد وضعت إدارة أوباما الأولوية لمتابعة معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية (ستارت)، ويزيل التخلي عن المواقع البولندية والتشيكية عقبة كبرى كانت تحول دون إتمام تلك الاتفاقية.

نعم تهتم واشنطن بعقد اتفاقية الحد من التسلح مع موسكو، ولكن احتياج روسيا لمثل تلك الاتفاقية أكبر، حيث لا يمكن لروسيا صيانة أسلحتها النووية القديمة، وكذلك لا يمكنها منافسة الولايات المتحدة في أي سباق تسلح جديد. وتدخل ترسانة الأسلحة النووية الروسية بالفعل في النطاق الذي تقترحه المفاوضات بشأن الرؤوس النووية (من 1,500 إلى 1,675 لكل دولة) ومركبات توصيل (من 500 إلى 1,100). وكان يجب أن يمد ذلك واشنطن بنفوذ أكبر في المفاوضات، ولكن أضعف حماس إدارة أوباما من أجل الوصول إلى اتفاق قبل انتهاء مدة معاهدة ستارت في 5 ديسمبر (كانون الأول) ذلك النفوذ.

وقد رفضت إدارة بوش مرارا أي ربط بين توقيع اتفاق ما بعد ستارت والمواقع البولندية والتشيكية. وفي البداية رفضت إدارة أوباما عقد صلة بين الاثنين، ولكنها ارتكبت ذلك الخطأ في أثناء رحلة أوباما إلى روسيا في الصيف الحالي بالموافقة على بيان مشترك في الدقيقة الأخيرة حول قضايا الدفاع الصاروخي، وعلى مذكرة تفاهم مشتركة متعلقة بمعاهدة مقبلة للحد من الأسلحة.

وفي مؤتمر صحافي مشترك عقد في 6 يوليو (تموز) مع أوباما، انتهز ميدفيديف، ذلك الإذعان الأميركي. وقال: «في مذكرة التفاهم المتبادلة التي وقعنا عليها للتو، تطرقنا إلى الصلة بين أسلحة الهجوم والدفاع، ويشكل ذلك بالفعل خطوة إلى الأمام. وفي وقت مضى، في تلك المسألة، كانت بيننا خلافات. وفي الوقت الحالي، ذكرت تلك الصلة، مما يتيح الفرصة أمام تقريب وجهات النظر».

وكان يجب أن تجعل جهود روسيا المتكررة لربط مواقع الدرع الصاروخية باتفاقية الحد من الأسلحة من الأصعب سياسيا على أوباما أن يتراجع. ولم تكن درع الصواريخ الاعتراضية في بولندا ومحطة الرادار في التشيك يمثلون تهديدا لروسيا. وليس من المرجح أيضا الفوز بمساعدة روسيا في التعامل مع إيران في المقابل. ولكن تأتي جهود أوباما لإرضاء روسيا على حساب علاقات الولايات المتحدة مع حكومات في أوروبا الشرقية ووسط أوروبا التي كانت قلقة بالفعل بشأن التزام الولايات المتحدة بتعهداتها للمنطقة. والأسوأ أنه من المرجح أن ينتج عن مكافأة السلوك الروسي السيئ المزيد من المطالب الروسية في ذلك الأمر وفي قضايا أخرى.

وتدافع الإدارة عن قرارها بالادعاء بأن إيران لا تطور قدرة صاروخية بعيدة المدى بالسرعة التي كانت تظنها سابقا. ولكن تحركت إدارة بوش بناء على الاستنتاج بأن إيران ستحصل على تلك القدرة في غضون أربعة أو خمسة أعوام، عندما تصبح درع الصواريخ والرادار قيد التشغيل الكامل. ويبدو الإعلان عن ذلك التغيير قبل الاجتماع في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) مع مسؤولين إيرانيين غير حكيم على وجه خاص. لقد بدأ الكرملين الخوض في لعبة خطرة بالربط بين إتمام اتفاق ما بعد معاهدة ستارت بمواقع الدرع الصاروخية في بولندا والتشيك. وتبدو موسكو فائزة في مسابقة الإرادة. ويجب أن تصر الإدارة الأميركية على عدم الربط بين تلك القضيتين المنفصلتين والمضي قدما في خطط الدرع الصاروخية التي ورثتها.

* زميل كبير في شؤون العلاقات بين طرفي المحيط الأطلسي في صندوق جيرمان مارشال في الولايات المتحدة.. وكان مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل.. بالإضافة إلى عمله في منصب نائب مساعد وزير الخارجية المسؤول عن روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا ومولدافيا في إدارة جورج بوش

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»