جامعة الملك عبد الله.. الهدية العالمية

TT

في ليلة مهيبة، ومناسبة رباعية الفرح، عيد الفطر المبارك، واليوم الوطني السعودي، وفرحة استباقية زفتها جامعة الملك سعود بدخولها نادي أفضل مائتي جامعة عالمية، اُفتُتِحت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في منطقة ثول شمال مدينة جدة السعودية الساحلية، وهي تحمل مسؤولية تنفيذ فكرة واحدة: عولمة العلم.

ليس سراً أن التعليم هو المتهم الأول في تأخر التنمية في دول العالم النامي، حيث إن امتدادات تأخره تلحق الدولة في كل شؤونها، تضربها في جذورها، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وكما هو التعليم متهم فهو كذلك ضحية فكر أهله، وذوقهم، وثقافتهم.

لم تعد مسألة حمل الشهادة كافية لتحمل الشخص من مقعد الجهل إلى مقعد المعرفة، فليس كل علم يوصل إلى المعرفة، ولذا كان من الأثر الاستعاذة من علم لا ينفع، فارتباط العلم بالمنفعة هو أساس قيمته، وإلا كان عبثا، مهما كان مجاله وصعوبته ودقته. والمنفعة هنا بلا شك ترتبط بشكل رئيسي بالاقتصاد، حيث التعبير عن الإنتاجية المطلوبة بتنوع أطيافها.

بافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية يتحول التعليم في المملكة العربية السعودية من مرحلة ضرورة حمل الشهادة، إلى مرحلة الشهادة الضرورية التي تحمل صاحبها، وتنقله إلى فضاءات الإنتاج والفعالية، والفرق شاسع بين المرحلتين. البحث عن النوعية، والجودة، والجدوى في التعليم، أصبح هدفاً تنحو باتجاهه كل جامعات المملكة، كمطلب، لا خيار، وهذا الإنجاز الواعد ذو الفكرة الخلاّقة هو إيذان بعهد جديد في سياسة التعليم في المملكة، يسلط الضوء على التقنيات العلمية التي تؤسس لمجتمع معرفي مُنتج، كما تخلق بجوار تيار الابتعاث للخارج تياراً موازيا للاستقطاب، ليتشكل في المستقبل القريب توازناً بين التيارين، ولنطمح بعد ذلك أن تكون المملكة بؤرة استقطاب طلاب العلم والباحثين من أنحاء العالم كما هي اليوم دول العالم الصناعي.

وقد أسست جامعة الملك عبد الله لهذا المنهج لتكون عائلا للباحثين من داخل المملكة وخارجها، حيث سوّقت الجامعة الجديدة لنفسها ومشروعاتها وبرامجها داخل المجتمع الأكاديمي والعلمي في المملكة منذ وضع حجر أساسها قبل عامين، فأصبح الباحث السعودي متطلعاً صوب جامعة الملك عبد الله، يطمح وعينه على أبوابها المفتوحة وإمكاناتها المتاحة.

وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية كذلك، وكما ذكر رئيسها البروفسور شون فونغ شيه، في كلمته ليلة الافتتاح، هي «هدية الملك عبد الله لكل العالم»، فهو إذن مشروع سعودي، عربي، عالمي، وهي ليست المرة الأولى التي تتحول فيها الأفكار والمبادرات السعودية إلى مشاريع عالمية. إنجاز بدأ كحلم، ففكرة، وانتهى ببناء يضم بين جدرانه عقولا مصقولة، وروحا شغوفة، توّاقة للتحصيل العلمي.

ولعل من أجمل ما قيل حول هذا المشروع ما ذكره صاحب الفكرة وراعيها الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن فيه «استعانة بأصحاب العقول النيرة من كل مكان بلا تمييز»، هذه العبارة البليغة المعنى، العميقة المدلول، هي تطبيق فعلي حقيقي لمفهوم الحوار بين الثقافات الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين، فإن كان هدف إقامة حوار الثقافات والأديان هو الدفع بمفهوم التعايش وقبول الآخر، فإن التعليم والبحث العلمي يعدان من أقوى الوسائل وأسرعها في تطبيق هذا المفهوم، حيث أن الوقوف فقط عند مرحلة الحوار سيجمد التمازج بين الثقافات لتغدو تنظيرية بعيدة عن الواقع.

منسوبو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وباحثوها، وطلابها، يعيشون اليوم وكل يوم من المستقبل تجربة التعايش، والشراكة، والامتزاج العلمي والثقافي والإنساني في إطار أكاديمي مرموق، وهو ما يظل في الأرض وينفع الناس، أما العزلة الثقافية، والفكرية ورفض الآخر، أو الخوف من تأثيره، فهي بلا شك، ستذهب جفاء.

*جامعة الملك سعود