ويبقى من العشق ذكرياته!

TT

من أصدقاء العمر أحد أهم نجوم الكرة السعودية في عقدي الستينات والسبعينات، وهو صديق طفولة، لمست قدماه الكرة مبكرا، فاستشعر نشواها، وأصبح يتمنى لو أن النهارات لا تنطفئ ليظل يلعب الكرة في ميادين حارتنا العتيقة بجدة حارة البحر، ولم تمارس معه معشوقته أسلوب الدلال فبادلته العشق، ومنحته الطاعة، وغدا هو والكرة توأمين لا يفترقان.

كان كل ند من أنداده في حينا يغزل بساط أحلامه ليكون طيارا، أو مهندسا، أو طبيبا، أو عالما، إلا هو كان لا يحلم أن يكون إلا لاعب كرة، يعيش بجوار محبوبته الساحرة المستديرة، فتلقفته الأندية صبيا ليجد نفسه في ملاعب الكرة يصول ويجول على أنغام هتافات الجماهير، واستشعر فيها الحاضر العذب ببريقه، وأضوائه، وخصوبته، قبل أن تلف عجلة الزمن من جديد لتنثر الأيام بذورا على قدمي الفتى الأسطوري، وتبدأ المعشوقة في التمرد حالها حال الغواني:

«إذا شاب رأس المرء أو قل ماله

فليس له في ودهن نصيب»

ليكتشف عاشق الكرة بعد مضي قطار العمر أن معشوقته الكرة قد رحلت صوب قدمي عاشق جديد، حاملة معها أصوات الجماهير إلى بعيد.

في كل مرة ألتقي به في شارع الحياة بعد انقضاء زمن النجومية أسأله:

ـ ماذا ستفعل لو عاد بك الزمن من جديد إلى ملاعب معشوقتك الكرة بعد عصر الاحتراف، وصفقات الملايين؟!

فيطلق ابتسامته التي ظلت طفولية، وهو يقول:

ـ فقط سأخبر تلك المعشوقة بما فعل المشيب!!

أكتب عن صديقي ذاك، وقلبي مع كل لاعبي الكرة القدامى، الذين أعطوا للكرة زهرة شبابهم، وربيع أعمارهم، ولم تعطهم سوى قبض الريح، لعبوا على ملاعب التراب واستنشقوا الغبار، وعالجوا إصاباتهم بالماء الساخن والملح و«المروخ»، ولم يطلبوا مالا ولا سكنا ولا راتبا، وكانوا أكثر وفاء للكرة، وأكثر تضحية لها، ومع ذلك خرجوا من تعب السنين وركض العمر بلا دخل، ولا مأوى، ولا حاضر، ولا مستقبل، رأسمالهم مجرد صور وميداليات وحكايات مجانية للذكرى، حتى أنديتهم التي لعبوا لها وأخلصوا لشعارها أدارت لهم ظهورها، وتنكرت لهم، ولماضيهم، ولأزمنة عزهم، وراحت كزهور دوار الشمس تميل بوجوهها صوب شموس جديدة، والكلام الحلو المباح الذي سمعه اللاعب أيام العز طلع عليه النهار و«ساااااح».

[email protected]