من المعركة إلى الحرب

TT

انتهت معركة مصر في اليونيسكو وبدأت في الصحف المصرية. فريقان: واحد يمثل الكلام المقذع في حق الدولة والنظام والخسائر والهزائم اليونيسكو وأميركا وإسرائيل وأوروبا والعجز العربي، وآخر يمثل أمجاد الدولة وجرأتها وشجاعتها وعلاقاتها الرائعة مع دول العالم.

تمنيت أن تكون معركة اليونيسكو مناسبة هادئة صريحة لاستخلاص الدروس. أن يقوم فريق مصري خاص بدراسة متغيرات الاقتراع وتحولات الدول ولماذا تخسر دولة في حجم مصر الحضاري أمام دولة بلا خصائل أو فضائل كثيرة مثل بلغاريا. أو لماذا يخسر فاروق حسني، القادم من بلاد أبي سمبل، أعظم مشروع حققته اليونيسكو في تاريخها، أمام وزيرة قادمة من سواحل فارنا وغناء الغجر وصناعة العطر والألبان في «وادي الورود».

لماذا ـ وهل يسمح ـ أن تحارب أميركا مرشح مصر. وعلى أي تطبيع تصر إسرائيل. ولماذا تجاهلت فرنسا العلاقة الخاصة مع مصر منذ أيام ديغول. ولماذا أغفلت ايطاليا العلاقة التاريخية مع مصر وأغفل بيرلسكوني العلاقة الخاصة مع القذافي، الذي طلب من روما ومن رفاقه في الاتحاد الأفريقي التصويت لفاروق حسني، فإذا لا أوروبا ولا أفريقيا ولا وعود ولا فوز.

لكن معركة مصر، أو امتحانها في علاقاتها الدولية، تحولت إلى حرب صحافية بأدوات مطبخية. وأنا من الناس الذين كانوا يعتقدون أن ترشيح وزير الثقافة غير ملائم في تنافس طاحن، أولا، بسبب سنه، كما قال الدكتور غازي القصيبي، الذي سبقه إلى الحرب بكفاءات فائقة، اصطدمت جميعها بحواجز معلنة. أما وقد خاض الوزير المعركة، استناداً إلى دراسات ووعود لم تصدق 100% بل 90%، فلماذا تحول المسألة في القاهرة إلى حرب مانشيتات وتصفية حسابات خاصة وعامة، وكأنما هناك من يحاول أن يؤكد للعالم أن الموقف الإسرائيلي من فاروق حسني ما كان جائراً ولا فظاً ولا بعيداً عن مناح المبارزات الثقافية بين الدول.

ويجب أن نخرج من دائرة المطاحن. إذا أعطي نجيب محفوظ نوبل نقول إن السبب تأييده لإسرائيل. وإذا خسر فاروق حسني مديرية اليونيسكو نقول إن السبب عداؤه لها. لا بد أن تكون هناك أسباب كثيرة أخرى. وهذه لا يمكن البحث عنها إلا في هدوء.