من غير المبرر أن نخسر «غولدستون»

TT

ما بدا أنه بداية مواجهة قاسية وفعلية بين إسرائيل والشرعية الدولية لم يسبق أن خاضته الدبلوماسية الإسرائيلية منذ السبعينات، انقلب ليصبح فشلا فلسطينيا فاضحا من غير الجائز تجاوزه أو التهرب من تبعاته.

قوبل تقرير اللجنة الدولية التي عينها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون بهجمة إسرائيلية شرسة احتجاجا على إدانته الواضحة والصريحة والموثقة لانتهاكات إسرائيل في حرب غزة، وهي إدانة كان يمكن أن تفضي ولأول مرة إلى ملاحقة مسؤولين وعسكريين وقضاة إسرائيليين في محاكم دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.

جندت إسرائيل طاقاتها الدبلوماسية والإعلامية والقضائية لمواجهة نتائج التقرير حتى أن بعض معلقيها اعتبر أن لا طائلة فعلية من خوض حملة إعلامية لاحتواء «تقرير غولدستون» مبديا حماسه إلى خوض هجوم قضائي بهدف إقناع الأسرة الدولية بضرورة تغيير قواعد الحرب بحيث تتناسب مع واقع القرن الواحد والعشرين. القصد الإسرائيلي هنا تقديم مبرر قانوني دولي يسمح لإسرائيل باستهداف مناطق مدنية آهلة بذريعة استهداف مصادر النار وتكريس ذلك بصفته تكتيكا مشروعا وقانونيا..

كان الجدل يسير باتجاه واضح وشبه محسوم هو إدانة إسرائيل، لكن شيئا ما قلب الصورة على نحو صادم وغير مبرر. وبعد أن كانت عناوين الأخبار والتعليقات هي التسربل الإسرائيلي باحتواء نتائج التقرير، باتت القضية هي فشل الفلسطينيين في التقاط هذه اللحظة المهمة بل وإجهاضها.

لا يكفي أن تحتوي السلطة الفلسطينية بعض وسائل الإعلام الفلسطينية وتكبح النقاش والأسئلة حول هذه الفضيحة ولا يسعف السلطة اتهام بعض وسائل الإعلام بنشر معلومات مغلوطة للتنصل من قرار واضح، السلطة الفلسطينية وافقت على سحب طلب التصديق على «تقرير غولدستون» وإرجاء التصويت عليه في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

ما تناقلته وسائل الإعلام خصوصا الإلكترونية منها يجمع على ضغوط إسرائيلية بلغت حد التهديد باستخدام أشرطة فيديو تظهر محادثات لمسؤولين فلسطينيين خلال حرب غزة هي التي دفعت إلى قرار السلطة بتأجيل التصويت على التقرير خشية الفضيحة..

ليست القضية هي ما يتناقله الإعلام التقليدي والإلكتروني عن أشرطة فيديو وابتزاز إسرائيل وإحراجها للسلطة، وليست القضية محاولات حركة حماس استثمار خطأ السلطة في هذه القضية وفي تقرير كانت حماس نفسها قد أدانته ورفضته لحظة صدوره. والمعركة مع إسرائيل هذه المرة لا تشوبها انزلاقات حماس ولا فساد السلطة فقد كانت هناك فرصة للعودة إلى لحظة تتأسس فيها بداية النجاح الفلسطيني أي النجاح في كسب معركة الرأي العام الدولي وهي هذه المرة موثقة بتقرير من الأمم المتحدة الهيئة التي لطالما اعتبرتها حماس منحازة إلى إسرائيل..

ليس اليوم وقت تسجيل نقاط.. تقرير «غولدستون» شكل بداية عدالة دولية يحتاجها الفلسطينيون. المسألة تتجاوز التجاذبات السياسية بين حماس والسلطة وهي أيضا تتجاوز الثمن المفترض عن زلات لسان. إنها المسؤولية عن أرواح الناس وتجاه أرواح الناس.

diana@ asharqalawsat.com