السقوط من النافذة

TT

في براغ عام 1618، أُلقي باثنين من المسؤولين في البلاط الملكي من نافذة على ارتفاع شاهق، ولكنهما هبطا لحسن حظهما وفي سابقة تاريخية على كومة من السماد. وفي واقعة مماثلة، ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما بحاكم نيويورك ديفيد باترسون من النافذة، ولكنه لم يهبط على كومة من السماد، بل على الصفحة الأولى لصحيفة «نيويورك تايمز»، وبالنسبة للعواقب السياسية لم يكن هناك أي فارق.

تقول رواية «نيويورك تايمز»، التي تمتاز بالبراعة والخطورة في آن واحد، بوضوح إن البيت الأبيض طلب من باترسون الديمقراطي أن يتنحى، وألا يسعى لإتمام ولايته كحاكم وأن يجد لنفسه مخرجا كريما. وهو ما يمكن أن يوفر ـ وفقا لما قاله باتريك غاسبارد المدير السياسي للبيت الأبيض ـ الكثير من الحرج السياسي الذي كان سيصبح بلا شك من نصيب باترسون. في تلك اللحظة، أتخيل استطلاعات الرأي الخطيرة التي تظهر أن جميع الناخبين في ولاية نيويورك يفضلون محمود أحمدي نجاد عليه. وفي استجابة سريعة، أعلن باترسون أنه لن يفعل ذلك. ولكنه ظل صامتا فيما يتعلق بالاجتماع الذي كان قد عقده مع غاسبارد؛ رافضا التعليق عليه بغير «مجرد عمل». ووفقا لمصدر صحيفة «نيويورك تايمز» فقد أخبر غاسبارد في ذلك الاجتماع باترسون بأن رئيس الولايات المتحدة يريده أن يرحل. ويضيف مصدر «نيويورك تايمز» أن غاسبارد قال «نريدك أن تتنحى فلا مجال لنجاحك».

وخلال فترة توليه سوف ينفذ باترسون ما هو مطلوب منه، فالكثير من الأشياء على المحك. ورودي جولياني يلوح في الأفق في إشارة إلى أنه سوف يتحدى باترسون وهو قادر على هزيمته بسهولة. وعلى الرغم من أنه ليس من المفيد بالنسبة لأوباما أن تصطبغ نيويورك بالصبغة الجمهورية، فإنه لن يفيد الديمقراطيين في بقية الولاية ألا يجذب مرشحهم أي شخص إلى صناديق الاقتراع بخلاف أفراد أسرته.

وسرعان ما أصبح باترسون يمثل معضلة بالنسبة لأوباما؛ فقد صرح بأن مشكلاته السياسية مرتبطة بعرقه ـ كذلك كانت مشكلات الرئيس الذي لم يعجبه ذلك على الإطلاق، وسرعان ما أعلن البيت الأبيض معارضته لذلك. كما قرر باترسون أن يجعل من أمنية القضاء السياسي على سبتسر أمرا حتميا. وفي زهوة الانتصار بإيذاء الذات السياسي، أقصى باترسون كلا من كيندي وأوباما من خلال عرضه على كارولين كيندي أن تشغل مقعد هيلاري كلينتون في مجلس الشيوخ، ثم منحه المنصب في النهاية للنائب الغامض كريستن غليبراند. وقد اتضح أن غليبراند ليس هو الشخص الذي وقف إلى جانب أوباما في البداية، لكن كارولين وعمها تيدي فعلا ذلك.

وهناك جانب محزن وآخر لطيف في حياة ديفيد باترسون وتاريخه السياسي؛ فباترسون رجل كفيف، ولكنه يتمتع بجاذبية وشعبية، بالإضافة إلى حس الدعابة الذي يشتهر به أهل نيويورك. وقد نشأ في هارلم، التي تعد واحدة من أقدم المنظمات السياسية، وكان أبوه باسل سناتورا مرموقا، ونائبا لعمدة نيويورك. ولم تفرز مؤسسة هارلم الموقرة سوى عمدة واحد أسود هو ديفيد دنكينز، بالإضافة إلى أنها أفرزت تشارلز رانغيل رئيس لجنة موازنة الضرائب في مجلس الشيوخ. وعلى الرغم من أن تلك المؤسسة منظمة قوية فإن أوباما قد خذلها، وسوف يرجع البعض مثل تلك التكتيكات العنيفة إلى شيكاغو والعنف الذي تشتهر به. ولكن الحال ليس كذلك؛ فأوباما بخلاف رام إيمانويل ليس من شيكاغو، فهو من أرض الأحلام. كما أن هذه المملكة تاريخية تنتصب فيها اللافتات محذرة «لا تقف بيني وبين ما أريد». فأوباما يريد ولاية ثانية؛ ولن تشكل الأخوية العرقية أو العداء أو لمس الوتر الحساس للآخرين في النهاية فارقا. فيجب على باترسون أن يرحل.

بالطبع، لم تخبرك قصة سقوط باترسون من النافذة أي شيء لم تكن تعرفه عنه، ولكنها تخبرك شيئا عن أوباما وعن القسوة التي تتخفى خلف ابتسامته الساحرة. ويمكنك وصف إقصاء باترسون بأنها سياسة ما بعد العنصرية، أو بأنها مجرد سياسة، ولكن الدرس في الحالتين: إذا أصبحت تمثل معضلة لأوباما، فلا تقترب من النافذة.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»