سباق تحسين المواقع

TT

مهما تعددت المشاورات النيابية ومهما تكررت المآدب السياسية بين الأخصام والحلفاء، يبقى تشكيل الحكومة اللبنانية رهن سباق محتدم لتحسين «مواقع» خارجية على ساحة السلطة اللبنانية أكثر مما هو خلاف على تمثيل قوى داخلية بهذا العدد من الوزراء أو بتلك الحقيبة الوزارية دون سواها.

حدة هذا السباق تعود إلى انطلاقه في ظرف يواجه فيه الشرق الأوسط استحقاقات مصيرية زادت من تصميم المتسابقين على ضمان «اليد العليا» في تركيبة السلطة.

لم يعد خافيا أن المتسابقين الرئيسيين على تحسين مواقعهما داخل الحكومة اللبنانية هما إيران (وحلفاؤها الإقليميون والمحليون) والولايات المتحدة ومريدوها في لبنان بعد أن عاد الاستحقاق الأبرز في المنطقة إلى الملف النووي الإيراني «بفضل» موافقة طهران على تفتيش دولي لمنشأة قم النووية.

رغم كل نوايا إدارة أوباما الحسنة حيال أولوية التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية على سواها من أزمات الشرق الأوسط أعادت إيران، نفسها، ملفها النووي إلى واجهة أزمات المنطقة.

وقد تكون المفارقة الواجب ذكرها في هذا السياق أن موافقة إيران على تفتيش الوكالة الدولية للطاقة للمنشأة الجديدة لتخصيب اليورانيوم من شأنه تحقيق هدفين يصبان في نهاية المطاف في مصلحة إيران وحدها: أولا «ترطيب» العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، وربما إرجاء الدعوة إلى تطبيق عقوبات قاسية على إيران، وثانيا رد التسوية التفاوضية لنزاع الشرق الأوسط إلى المرتبة الثانية في اهتمامات واشنطن الشرق أوسطية ما يعني إبقاء «الجبهة اللبنانية» ـ إن صح التعبير ـ في حالة تأهب تمسك إيران بمعظم أوراقها.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المنعطف الدقيق لأحداث الشرق الأوسط قد يكون: هل تقع الولايات المتحدة في الشرك الإسرائيلي الذي تجنبته قبل أشهر قليلة، أي شرك تقديم الحل الإيراني على التسوية الفلسطينية واستطرادا «ربط» تسوية الملف النووي الإيراني بالتسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية؟

في وقت يسعى فيه الرئيس أوباما إلى إعادة إطلاق المحادثات الفلسطينية ـ الإسرائيلية المباشرة، قد يبدو هذا الاحتمال مستبعدا. ولكن واشنطن عودتنا على «تبدلات» مفاجئة في مواقفها الخارجية، حتى بالنسبة لالتزاماتها المعلنة حيال حلفائها. وقد تكون الطريقة المتسرعة التي اعتمدتها إدارة أوباما في إلغاء خططها لإقامة منظومة دفاع صاروخية في كل من بولندا وتشيكيا أحدث مثال على «الانقلابات» المفاجئة في أولويات دبلوماسية واشنطن، علما بأنها انقلابات لا تأخذ في الاعتبار تأثيرها المحتمل على مصالح حليفها أو صديقها.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن متانة التزامات واشنطن حيال لبنان «السيد الحر المستقل» تثير شكوك العديد من اللبنانيين من احتمال تعرضها إلى تبدل مفاجئ يفرضه إما الضغط الإسرائيلي أو الحاجة إلى تسويات إقليمية قد تكون على حساب لبنان.

واللافت على هذا الصعيد أن التزامات إيران تجاه القوى المتحالفة معها في لبنان قد تكون أكثر ثباتا من التزامات الولايات المتحدة حيال أصدقائها ـ إضافة إلى كونها أفضل «مردودا» ماليا وعسكريا ـ. ربما كان هذا الفارق في طبيعة الالتزامين وراء تميّز المحور الإيراني في لبنان بـ«هجوميته» (Aggressiveness) عن المحور المنعوت مجازا بالأميركي، ما يوحي بأن سباق تحسين المواقع في الحكومة اللبنانية قد يكون أقرب منالا للمحور الإيراني مما هو للمحور الآخر. خصوصا إذا أدت حملة المعارضة اليمينية المتصاعدة على الرئيس الأميركي إلى إضعاف موقعه المعنوي في البيت الأبيض.

وهنا يجوز التساؤل عما إذا كان القصد من سعي حلفاء المحور الإيراني للإمساك بما يسمى «الثلث المعطل» في الحكومة اللبنانية العتيدة ـ ولو عبر معادلة خفية ـ هو ضمان مصالح المحور الإيراني في المنطقة أم تحدي المحور الأميركي ـ الغربي، واستطرادا دول الاعتدال العربية.. أو «ضرب عصفورين بحجر واحد»؟