خير كبير

TT

في افتتاح الحدث السعودي الأهم، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، لقي وصول الرئيس السوري بشار الأسد أكبر قدر من التحية والتصفيق، وكان أول الحاضرين. الناس بطبعها تستبشر بالأحداث والخطوات الإيجابية، وسروا من هذا اللقاء بين الرئيس السوري والعاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كخطوة في الطريق السليم لإعادة العلاقات العربية لخطها الصحيح. العلاقات السورية ـ السعودية أقل ما يطلق عليها أنها مهمة جدا وهناك «ود» خاص لا يمكن إغفاله مهما تعقدت الظروف الاقتصادية والسياسية.

منذ تأسيس المملكة العربية السعودية بقيادة ملكها عبد العزيز كان الوجود السوري «رمزيا»، ولكنه مهم، تمثل في شخصيات حظيت بالثقة الملكية من قبل الملك المؤسس وساهمت بدور فعال ومؤثر في مسيرة التأسيس بالتطوير، وتركت بصمة واضحة في تاريخ التأسيس. وقبل تلك المرحلة عرف أهل نجد رحلات واستقرارا وتجارة لبلاد الشام في مرحلة ما عرف باسم سفر العقيلات، وكذلك كان لأهل الأحساء والحجاز ذات الحظ من التواصل مع سورية، مما أسفر عن تجارة وتعارف ومصاهرات كثيرة جدا. وانتقلت العلاقة إلى تفاهم وتكامل، وجاء السوريون بالآلاف للعمل في السعودية في فترة الطفرة وفي مجالات مختلفة وتمكنوا من التأقلم بقوة مع المجتمع السعودي، و«استقبل» المجتمع هذا التحول الاجتماعي بنفس مرحبة فأصبحت المأكولات والأغاني والقصص والمسرحيات والمسلسلات السورية جزءا من تركيبة المجتمع نفسه.

وعرف الناس الكباب والقدود وصابون الغار وزيت الزيتون والزعتر والبوظة الشامية والزهورات وباب الحارة طبعا، وتعرف السوريون إلى عادات السعوديين ومأكولاتهم ومناسباتهم وقيمهم ولهجاتهم. فلم يعد «غريبا» أن تستمع لمحمد عبده في دمشق أو تشتري رواية لرجاء عالم في حلب أو ترى حلقة لطاش ما طاش في التلفزيون بحمص. العلاقات السعودية ـ السورية لديها قاعدة هائلة من القبول الشعبي «الاستثنائي» الموجود أساسا، وهذا نادر وجوده بين البلاد، وبالتالي من الممكن تحقيق الكثير من الإنجازات والتعاون والنجاح بينهما، ولكن يبقى الموضوع المعضل دوما وهو العلاقات «الأخرى» المتعلقة بلبنان والعراق وفلسطين وغيرها.

لا خيار حقيقيا أمام السعودية وسورية إلا بتطوير علاقاتهما ورفع مستوى العلاقة لمعايير جديدة «داخل» البيت العربي والابتعاد عن العناصر والقوى الأخرى التي لديها مشاريع مختلفة ولن تتوانى عن إحداث الانشقاق والفتن بصورة واضحة وخفية. الناس استبشرت بعودة الروح الدافئة لجسد العلاقة السعودية ـ السورية بعد زمان من الجفاء والبعد، ويبقى التحدي الأهم وهو الحفاظ على هذه الروح والعمل على تزكيتها بكل الوسائل وأن لا يبقى الحوار بين حكومة وأخرى، ولكن من شعب إلى شعب، لأن الشعبين سيتضرران بتضرر العلاقة ولا شك.

[email protected]