لعبة تتجاوز مجرد الأرقام في أفغانستان

TT

من الصعب قراءة تقييم الجنرال ستانلي ماككريستال لحرب أفغانستان دون سماع صوت يماثل أصوات أفلام الرعب ينبعث من اللامكان ويتردد في كافة الأنحاء، صوت يتعالى ويستمر مع كل صفحة من التقرير: «اخرج، اخرج، اخرج».

وفقا للتقرير السري المعد للرئيس الأميركي باراك أوباما ـ والذي استطاع بوب وودورد من «واشنطن بوست» الحصول عليه ـ فإن الموقف في أفغانستان «يتدهور»، كما أن تمرد حركة طالبان «يتصاعد ويصبح أكثر قوة»، ولدى الأفغان أزمة ثقة في كل من حكومتهم وقوات احتلال تحالف حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة. وسوف تكون الاثنا عشر شهرا المقبلة «حاسمة» وسوف «تتسم بالفشل في الأخذ بزمام المبادرة والتغلب على قوة التمرد المتنامية.. مع تضاؤل احتمالات القضاء على التمرد».

لقد كان أوباما يؤكد دائما خلال حملته الانتخابية أن أفغانستان، وليس العراق، هي المكان الذي يجب على الولايات المتحدة أن تحارب فيه تنظيم القاعدة وحلفاءه. والآن أصبح الصراع الفوضوي في أفغانستان هو حرب أوباما الذي يستعد لاتخاذ قرار أكثر عمقا بشأنها: فهل ما زال يؤمن بأن حربه يمكن الانتصار فيها بالوسائل العسكرية. يقول ماككريستال في تقريره: «يمكن تحقيق الهدف»، ولكن معظم أجزاء التقرير الذي كتبه توحي بالعكس. وكما لو كان الأمر مخططا له، أصدر محمد عمر زعيم حركة طالبان تصريحا يذكر فيه أوباما أنه لمدة ما يزيد عن الألف سنة حاول الغزاة وفشلوا في قمع الأرض التي عرفت بأنها «مقبرة الإمبراطوريات»؛ الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد، والبريطانيون في القرن التاسع عشر الميلادي، والسوفيات في الفترة ما بين 1979 و1989.

وأضاف عمر في رسالة بمناسبة انتهاء شهر رمضان نشرتها «الفاينينشيال تايمز»: «على الغزاة أن يدرسوا تاريخ أفغانستان. فكلما زاد العدو من قواته، مني بهزيمة ساحقة». وعلى الرغم من أن ذلك يبدو مزعجا، تماما مثل قبولك لنصائح أحد معاوني أسامة بن لادن الرئيسيين، يبدو أن ذلك هو ما يعلمنا إياه التاريخ بالفعل؛ فإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان لم يثبت إلا فشله، كما يبدو أن الوجود المكثف للقوات الأفغانية في أفغانستان هو ما يوحد الأفغان حتى إخراج القوات الأجنبية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أوصى الجنرال ماككريستال بزيادة القوات وهو ما أطلق عليه «قفزة» في الموارد، ربما لأن مصطلح «زيادة» هو أحد مفردات عصر بوش، ولكن النتيجة سوف تكون واحدة. فالجنرال يقول إن رفض إرسال المزيد من القوات ـ التي ستقوم بدور الجسر حتى يتم تقوية الجيش الأفغاني وتدريبه وتسليحه ـ سوف «يؤدي إلى الفشل».

ويوجد بأفغانستان حاليا 62 ألفا من القوات الأميركية وهو العدد الذي من المتوقع أن يصل إلى 68 ألفا، أكثر من ضعف الرقم الذي كانت الولايات المتحدة ملتزمة به قبل عام. وماككريستال لم يحدد أرقاما في تقريره، ولكن سلفه كان قد طالب بعشرة آلاف إضافية. وبالمقارنة، كان الوجود العسكري للاتحاد السوفياتي في أفغانستان يبلغ حوالي 100 ألف فقط من القوات؛ وهو العدد الذي أثبت عدم ملاءمته للسيطرة على دولة أكبر من فرنسا ويبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة. وعلى الأقل يحاول ماككريستال أن يضع حدودا لمهمة واضحة: دعم الدولة الأفغانية حتى تتمكن من «السيطرة بفعالية على أراضيها ودعم الاستقرار الإقليمي ومنع استغلال الإرهاب الدولي لأراضيها».

وقد وضع ماككريستال استراتيجية لمواجهة التمرد يمكن أن تلحق بحركة طالبان دمارا جديا. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن خطة ماككريستال قادرة على بث الثقة في الحكومة الأفغانية الضعيفة والفاسدة، خاصة في أعقاب الانتخابات الأخيرة التي شهدت مزاعم واسعة بالتزوير. ولكن هل يعتقد أحد أن حركة مثل طالبان سوف تساند الأجانب؟ هل نعتقد أن الضحايا من المدنيين من جراء الضربات الجوية ـ والتي يجب أن تستمر أخذا في الاعتبار مساحة الدولة ووعورة أرضها ـ سوف تساعد على الفوز بقلوب الأفغان أو عقولهم؟ هل يمكن بهذه البساطة تجاهل 1400 عام من التاريخ؟

إن ما يحتاجه أوباما هو تقليل القوات. ويجب أن يكون هدفنا الوحيد هو إقناع أنفسنا بأن أفغانستان لن تصبح مرة أخرى معقلا للإرهابيين وأن نسرع بالخروج. فنحن نحتاج لاستخدام ليس فقط القوة بل والدبلوماسية وهو ما يعني ـ حقا ـ أن نفتح حوارا مع حركة طالبان. وسوف يقول البعض إن ذلك سوف يبدو كدليل على الضعف، ولكن أكبر مؤشرات الضعف هو الإخفاق، الذي أعتقد أننا سوف نتجه صوبه، إذا ما أرسلنا المزيد من القوات.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»