أوباما.. جائزة تحت الحساب

TT

عندما كنا طلابا في الابتدائية كان جدي، من طرف الوالدة، يقدم لنا هدية نقدية بسيطة مع أول أيام الامتحانات، ويقول رحمه الله، «على من يرسب أن يقوم بإعادة تلك النقود (الهدية)». تذكرت هذه القصة فور الإعلان عن فوز الرئيس باراك أوباما بجائزة نوبل للسلام، التي يفترض أن يكون أوباما نفسه أكثر من ينزعج ويحرج منها، ليس لأنه لا يستحقها كإنسان، وإنما كونه لم يقدم شيئا بعد في تسعة أشهر من رئاسة الولايات المتحدة الأميركية يخوله حق الحصول عليها.

صحيح أن اوباما بادر بإلقاء خطاب مهم للمسلمين بالقاهرة، وقام بتهنئة الإيرانيين بعيد النوروز، وبادر للحوار معهم، واهتم عمليا بقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولكن كل ذلك لم يحرك الملفات الصعبة، بل ولم نر له نتائج فعلية حتى الآن، وبالطبع لسنا بصدد المقارنة هنا بين أوباما والرئيس السابق جورج بوش الذي، ورغم كل ما أحدثه من مصائب، قد ذهب إلى مسجد إسلامي لإظهار حسن النوايا، ويعد أول رئيس أميركي يطرح مبدأ الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وإن كان قد أشعل حربين، لم ينه اوباما أيا منهما حتى الآن!

فما زالت أميركا في العراق، وتقاتل في أفغانستان، بل إن أوباما أكد عزمه على الاستمرار في هذه الحرب، وحتى لو تم تخفيض عدد القوات في كابل. كما أن معتقل غوانتانامو لم يغلق بعد، ولا يوجد ما يوحي بأنه سيغلق قريبا. ولمن يستفزهم ذكر بوش الابن فعليهم أن يتذكروا ما فعله وأنجزه الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ليس في فترة رئاسته وحسب، بل وقبل أسابيع عندما أطلق سراح صحافيتين أميركيتين في كوريا الشمالية.

أما على المستوى الاقتصادي، بالنسبة لأوباما، فإن الاقتصاد العالمي، وقبله الأميركي، لم يعبر بعد مرحلة الشكوك وصولا للثقة بتعافيه، ويجب أن نتذكر أن هناك جهدا دوليا غير مسبوق قد بذل لإنقاذ العالم من كارثة اقتصادية.

كل ما سبق لا يعني التشكيك في نوايا أوباما على الإطلاق، فمجرد وصوله إلى سدة الرئاسة الأميركية كرئيس أسود في البيت الأبيض كان لحظة تؤرخ، ومنعطفا مهما سيذكر مطولا على أنه مرحلة ما قبل أوباما، وما بعد أوباما، لكن المقصود هنا هو أن منح الرئيس الأميركي جائزة نوبل للسلام، وهو الذي لم يوقع اتفاقية سلام، أمر محير. صحيح أنه تحدث بروح السلام والتعاون، لكنه لم يفعل ذلك من منطلق القوة، بل في لحظة عصيبة، داخلية وخارجية، مرت على بلاده، خصوصا أنه قد ورث إرثا ثقيلا من سلفه بوش.

ولذا يبدو أن منح أوباما جائزة نوبل جاء «تحت الحساب»، ومن باب التشجيع، وحسن الظن، خصوصا أن أوباما نفسه علق على الجائزة قائلا إنه يعتبرها «نداء للعمل». فإن أنجز أوباما فهو يستحقها بلا شك، وإن لم ينجز فلا نعلم إن كان عليه إعادتها، كما كنا نطالب بإعادة الهدايا إذا رسبنا ونحن صغار!

قادم الأيام يحمل لنا الإجابة، خصوصا أن فرص السلام والحرب بمنطقتنا قد باتت متساوية اليوم!

[email protected]