خطأ أكبر من النية والطوية

TT

الخطأ السياسي لا يبرره حسن النية ولا حسن الطوية. والرئيس محمود عباس ارتكب خطأ في المكان الخطأ، وفي الزمان الخطأ. فالأمم المتحدة هي الملاذ الوهمي الأول والأخير للقضية الفلسطينية. وأما من حيث الزمان، فقد أعطى حماس بيده مشحذا تشحذ به السكين الذي ترفعه في وجه فتح ووجه السلطة وصدر نظام رام الله برمته.

اللحظات الوطنية الكبرى لا تحتمل ضرورات الظروف السياسية. لا أحد يستطيع أن يقول لأهل غزة والشعب الفلسطيني، مهلا، مهلا، فإن مندوب فيتنام، أعتى عدو للولايات المتحدة في التاريخ، ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، هو الذي ماشى أميركا ونفذ رغبتها، عندما جعل جلسة المجلس في شأن تقرير غولدستون سرية. فيتنام ليست فلسطين. وبالنسبة إلى هانوي الحرب انتهت وهي الآن أحد نمور آسيا وإحدى أهم أسواقها، ناهيك بفنادقها ومصحاتها وعقاراتها المعروضة للبيع من الأميركيين قبل سواهم.

عندما كانت فيتنام تقاتل من أجل استقلالها، دحرت أقوى قوتين في الغرب. أولا، فرنسا، ومن بعدها جميع قاذفات أميركا وقاصفاتها وتقنياتها. كان يجب أن تشعر أميركا، ومن خلفها إسرائيل، أن الدم الفلسطيني سد أحمر وليس خطا سياسيا أحمر. وليس من وعد، مهما كان مهما، يبرر الوقوف في جانب الذين قرروا الوقوف ضد إدانة الفظاعات الرهيبة التي وقعت في غزة على مرأى من العجز الإنساني العالمي، الذي تمثله أميركا بالدرجة الأولى.

إن موقف السلطة الفلسطينية من تقرير القاضي غولدستون، ليس مسيئا فقط للشعب الفلسطيني وأهل غزة، بل هو مسيء أولا إلى هيئات العدالة الدولية ومنظمات الإغاثة الإنسانية والجمعيات المدنية حول العالم التي استنكرت المذبحة اليومية وقصف طائرات الفانتوم للمنازل والمدارس والمستوصفات. وهو إهانة لذلك العدد من الصحف الأوروبية الكبرى وصحف العالم التي كانت تستنكر كل يوم ما يجري في غزة من جريمة جماعية في حق الإنسان ومن إهانة علنية في حق الأسرة الدولية وحق هذا المجلس الاستنسابي المائع المعروف أيضا بمجلس الأمن.

لا أدري كيف وماذا سيفعل الرئيس محمود عباس، وهو رجل نحترم خلقه وسلوكه الشخصي والوطني مذ كان بعيدا جدا عن منافذ السلطة ومطبات الحكم. ومن يعرفه لا يمكن أن يشكك في مشاعره وفي حقيقة قلبه. لكنه خطأ كبير في التقدير، خصوصا إذا كان حقا يصدق أن حكومة نتانياهو وليبرمان سوف تقدم شيئا. أي شيء. لقاء ما حصل في جنيف أو ما حصل منذ أوسلو إلى اليوم.