والله لست السبب!

TT

ذهبت إلى الكنيسة أؤدي واجب العزاء في صديق قديم.. صديق الدراسة والهجرة إلى القاهرة. ورآني أولاده ومددت يدي فكانت الأحضان والقبلات والدموع. وجاء القس وتحدث عن مآثر الفقيد الفنية والأدبية، وكيف عاش مريضا، وكيف كان وفيا ومخلصا ومحبا لوالديه وزوجته وأولاده، ولم يدخر وسعا في مساعدة من يلجأ إليه من أقاربه وغيرهم. وضحك الناس رغم الموقف الحزين، فقد نسي القس اسم وزير الإعلام الحالي فشكر وزير الإعلام السابق والمحافظ السابق. وتحدث عما أداه الوزير وكيف أن المحافظ قد يسّر وقوف السيارات حول الكنيسة.. وشكر وزير الصحة السابق وهو يقصد الوزير الحالي! الذي كانت عنايته غير العادية سببا في تخفيف الألم عن الفقيد في ساعاته الأخيرة، وكيف أن وزير الصحة لم ينَم ليلة أمس حتى اطمأن تماما على أن كل شيء يتم وفقا لأوامره. حتى وصية الفقيد قد نفذها.. وهى أن يوضع الياسمين حول رأسه. فقد أراد أن يعيش وأن يموت من أجل زهرة الياسمين، ومن حبه للياسمين أطلق اسمه على ابنته الكبرى.

ولما اتجه القس إلى زوجته وتحدث عن خصالها الحميدة وهمومها الثقيلة، أخطأ في اسمها وقال اسم زوجته السابقة التي هي ابنة أخيه المرحوم (المتنيح)، أي الطيب الذي أرضى ربه والناس، ورضي الرب عنه.

وطالت كلمة القس. ولا بد أنه أطال أكثر من المألوف في مثل هذه الساعات الحزينة. فجاء أكثر من واحد يهمس في أذنيه. ويطيل القس في وصف خصال أصدقائه الذين كانوا نور الهدى في حياته الطويلة.. وامتدحني كثيرا..

وانتهت الخطبة. والبخور في سماء الكنيسة. ثم صمت طويل. وبدأنا نتلفت حولنا، ولكننا لم نفهم، ولا أحد تطوع بأن يقول لنا شيئا.

ونهضنا وامتدت يدي لتصافح، فلم تمتد لي يد واحدة. واختفت الأحضان والدموع، ونظرت ورائي فوجدتهم يصافحون ويقبلون غيري. ماذا جرى؟!

جاء من يهمس: إن المرحوم قد ارتد عن دينه في آخر لحظة.. وهم يرون جميعا أنني السبب!