مبروك.. ولكن

TT

فاز الرئيس الأمريكي باراك أوباما بجائزة نوبل للسلام. هكذا أعلنت «نوبل» الخبر وبررته بأن الجائزة تأتي تقديرا له بسبب «سعيه لتحقيق السلام بين الشعوب والحد من انتشار الأسلحة النووية».

ويواصل باراك أوباما مفاجأة الناس ونفسه، فبعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية بشكل مفاجئ ومدهش وقبل انقضاء عام على فترة رئاسته وقبل بلوغه الخمسين من العمر يفوز بجائزة نوبل للسلام! إنجاز مبهر وسيرة ذاتية لا بأس بها وأعتقد الآن أن «الحظ ماشي» مع باراك أوباما، بحيث انه لو شارك في سباق المائة متر لكسر حاجز التسع ثوان وهزم العداء الجامايكي الصاروخي أوسين بولت، اللهم لا حسد، ولكن عودة إلى الجانب الجدي من المسألة؛ فاختيار باراك أوباما وفوزه بجائزة نوبل للسلام يضعه شخصيا ويضع مانحي الجائزة أمام اختبار أخلاقي خطير، خصوصا حين مراجعة أسباب منحه الجائزة، وبالذات إذا ما تم إسقاط المسألة على المشكلة الإسرائيلية ـ العربية.

فها هي إسرائيل اليوم واقعيا وعمليا تضرب بكل مبادرات السلام وبكل قرارات الأمم المتحدة وبكل الوساطات عرض الحائط وتستمر في مسلسلها الدموي واغتيالاتها بحق الأبرياء العزل من الفلسطينيين وفي هدم بيوتهم ومصادرة ممتلكاتهم والتوسع في مخططها الاستيطاني الشيطاني، وليس هذا فحسب بل يطلع على الملأ وزير خارجيتها المتطرف في تصرفاته ونهجه إفيجدور ليبرمان ويقول: «الإدارة الأمريكية في وهم إذا اعتقدت أن هناك سلاما ممكنا في الشرق الأوسط، وإن أي صفقة سلام غير ممكنة، وإنه شخصيا سيبلغ مندوب الرئيس باراك أوباما جورج ميتشل ذلك عندما يزور إسرائيل».

بح صوت باراك أوباما وهو يقول ويعيد ويزيد عن خيار الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية وعن ضرورة وقف الاستيطان ومع ذلك لا احترام لتلك الكلمات، والحكومة الموتورة في إسرائيل تواصل تعدياتها بتأييد من المتطرفين فيها، ولم تكتف بذلك بل صعدت وتيرة المواجهة في قلب حرم المسجد الأقصى، قلب القضية بالنسبة لبليون ونصف بليون مسلم حول العالم مواصلين مخطط إزالته بالتدريج لبناء هيكل سليمان المزعوم والأسطورة، والذي لا وجود له ومن نسيج الوهم والخيال، ومخطط إزالة الأقصى لم يعد التداول بشأنه في السر، بل معلن وهو من مشاريع وخطط بلدية القدس الرسمية. كل ذلك يقع في مدينة «محتلة» باعتراف الأمم المتحدة والغالبية الكاسحة من دول العالم، ومع ذلك تواصل إسرائيل غطرستها وتعدياتها بلا رادع ولا اكتراث.

أما عن البرنامج النووي الإسرائيلي الذي أنتج للآن أكثر من 400 رأس نووي ولدى الدولة العبرية أكثر من أربعة مفاعلات معروفة وغواصات نووية أيضا وصواريخ عابرة مجهزة بقدرات نووية.. كل هذه الترسانة لم تخضع يوما للرقابة الدولية ولا للقرارات الدولية ولا للمعاهدات الدولية ولا للمواثيق الدولية، فهل هناك ازدواجية معايير وتناقض أكثر من ذلك؟ لا أظن! أبارك لك أيها الرئيس أوباما على هذا الإنجاز الشخصي، وأجدد احترامي لنواياك وقيمك، ولكن لا أعتقد أنك تقبل جائزة نوبل للسلام بنيت على معايير مزدوجة وعلى جثث الأبرياء وعلى المعاملة بمكيالين. إسرائيل دولة مارقة بامتياز تتصرف كالنازية، ولكي «يحترم» العالم إنجازك الأخير، هم بانتظار قرارات تواكب الأقوال. أعرف أن طلبي هذا ثقيل، ولكن هو المطلوب.

[email protected]