تلازم بين دمشق والرياض

TT

 شهدت العاصمة السورية ـ دمشق الثلاثاء الماضي ـ زيارة هامة للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وهي زيارة من شأنها إذابة بقايا الجليد الذي ساد العلاقة بين سوريا والسعودية منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق عام 2005. ثم زادت تعقيدا بتباين المواقف أثناء حرب حزب الله وإسرائيل بلبنان عام 2006.

 الزيارة تعكس نهجا استنه الملك عبد الله وسار عليه، وهو أن المملكة العربية السعودية لن تدخل في صراعات مع أشقائها العرب، وستعمل على تجاوز كافة الخلافات، وقد أعلن ذلك صراحة في قمة الكويت الاقتصادية، فكان اللقاء بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد الذي بادر بدوره بزيارة المملكة قبل أسابيع بمناسبة افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وذلك بعد إعلان رسمي بعدم حضور الرئيس السوري الافتتاح.

ليس في الحديث عن أهمية التنسيق بين الرياض ودمشق جديد «لحلحلة» ملفات عديدة، وأقول «حلحلة» وليس حل كافة القضايا، إذ إن بعض المسائل لا ينحصر حلها بدمشق والرياض، فهناك عواصم أخرى مثل طهران وأنقرة أصبحتا مؤثرتين في تطورات أحداث منطقتنا العربية بعد أن غاب الدور العربي المؤثر والقادر على حل مشاكلنا العربية داخل البيت العربي. فلولا تعدد الولاءات اللبنانية، لما كان لإيران كلمة طولى في الشأن اللبناني، ولولا تنازع الأطراف العراقية لما كانت لطهران وأنقرة أيادٍ فعالة في بغداد وكركوك والبصرة، ولو حل الفلسطينيون مشاكلهم، ما كان لطهران أن تدخل إلى غزة. الخلاصة أن تعدد ولاءاتنا الخارجية، سهل اختراقاتنا الداخلية، وهشّم مصدّاتنا القومية، لكن الأمل معقود على استعادة دور عربي في حل القضايا العربية، وهذا الدور لن يتأتى في غياب التنسيق العربي وبالذات بين الرياض ودمشق والقاهرة.

الوضع اللبناني ما زال يراوح دون حكومة منذ أشهر، وهو وضع شاذ وغريب، فبديمقراطية لبنان، يمكن للأقلية أن تعطل قرار الأكثرية، وقد اخترعنا لذلك الشذوذ السياسي مصطلحا فأسميناه «التوافق الديمقراطي»، دون أن نسأل أنفسنا: لمَ الانتخابات إذن؟ فما دامت الأقلية تفرض قرارها على الأكثرية، أو تعطل قرار الغالبية، فلا داعي للانتخابات ولتتوافق القوى السياسية اللبنانية كما تشاء، ولكن إرادتها خارج بيروت، وبمحض إرادتها تخلت عن إرادتها. سوف يرقب المتابعون تطورات مشاورات تشكيل الحكومة اللبنانية، ففي مثل هذه التطورات ـ إن حصلت ـ مؤشر على درجة التنسيق بين الرياض ودمشق، وفي غيابها عودة لمرحلة ما قبل الزيارة وفقدان الدور العربي لتجاوز عقدة الحكومة اللبنانية.

وفي العراق تنازع داخلي تغذيه إيران بتعاون مع قوى عراقية داخلية، ووضع عراقي لا يزال يتعثر نحو المجهول بعد الانسحاب الأمريكي المرتقب، وتركيا ترقب مصير النزاع الداخلي العراقي وانعكاس ذلك على الأوضاع في شماله، وبالتالي ترسم سيناريوهات مرحلة الانسحاب الأمريكي بما قد يعزز حضورها القوي في شمال العراق. وأطراف عراقية وغير عراقية عديدة تترقب الانتخابات القادمة وتعوّل على أن نتائجها حاسمة في رسم مستقبل العراق القريب، فإن عززت الانتخابات من الهوية الوطنية العراقية ومن التوجهات العروبية، فبها ونعمت، وإن غضبت طهران، وإن لم يكن، فإن استمرار التنازع والتناحر العراقي ـ العراقي مؤكد وأكيد. ويكمن التنسيق السوري ـ السعودي في الشأن العراقي بالتوجه لاحتضان العراق وجلب أنظار أهله غربا وجنوبا، نحو بلاد الشام ومنطقة الخليج العربي، بدلا من التيه السياسي الذي تعيشه بعض القوى العراقية اليوم.

لقد جاءت زيارة الملك عبد الله لدمشق لتعكس صدق النوايا السعودية في حل القضايا العربية داخل البيت العربي، وتزامنت مع ذكرى انتصارات السادس من أكتوبر التي سمّيت حرب «العبور»، فهل تعبر دمشق والرياض بملفات عربية هامة إلى بر التنسيق والحل؟ هذا ما يأمله الكثير من العرب، وما لا يتمناه من يستخدم الخلافات العربية كورقة في مساومات الهيمنة على المنطقة.