سعوديات

TT

ما زلت أتذكر بعضاً من كلمات أبي الأثيرة، رغم أنه فارق الحياة منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، ومنها أن من تدخل فيما لا يعنيه أصابه ما لا يرضيه. ومن هنا انطلق ترددي فيما أنا أستعد لكتابته اليوم. فصوت يهمس بأن القضية هي شأن داخلي يخص المرأة السعودية في علاقتها مع المجتمع السعودي. وصوت آخر يقول: المرأة السعودية هي عشرات الصديقات اللاتي شاركنني أفكاري، وبيني وبينهن حق العيش والملح، وآلاف الشابات اللاتي منحنني شرف لقب: أمي.

في أوائل ثمانينات القرن الماضي، التحقت بفريق العمل في مجلة «سيدتي» الوليدة آنذاك. كانت رئيسة العمل أستاذة جامعية سعودية اقتطعت من حياتها الأكاديمية وقتا لكي تشارك في إخراج أول مطبوعة سعودية موجهة للمرأة، التي صارت فيما بعد سيدة المجلات العربية، كما كان يحلو لنا أن نسمي «سيدتي» في ذلك الوقت. والحق أقول إن «سيدتي» اكتسبت ذلك اللقب عن جدارة، ولم تكتسبه من فراغ، بل ارتفعت بمستوى سائر المجلات النسائية العربية، بفضل جهد وتفاني ورؤية الاستاذة الجامعية ورغبة مخلصة في التعبير عن حبها لوطنها، ودعوة بنات وطنها للنهوض والمشاركة في التنمية الثقافية والاجتماعية لإعلاء شأن الوطن. وعلى الرغم من أن ظروف الحياة باعدت بيني وبينها فيما بعد، إلا أنني ما زلت أذكر الدكتورة فاتنة أمين شاكر كصديقة وقدوة، أدين لها بالاحترام والمودة والإعجاب الذي لا ينحسر.

منذ أيام قرأت مقالا لكاتب سعودي، هو محمد الرطيان، بعنوان «تحية للنساء في بلادي». فذكرني المقال بها، وتمنيت سراً أن تكرمها المملكة لأنها تستحق التكريم. فقد كان محور المقال خبر فوز غادة مطلق عبد الرحمن المطيري بجائزة الإبداع العلمي في الولايات المتحدة، وهي جائزة تمنحها منظمة لدعم البحث لأفضل مشروع من بين عشرة آلاف باحث وباحثة. ولم أكن سمعت بغادة المطيري من قبل، ولكني وبحق أمومتي وانتمائي العربي الإسلامي ومحبتي لكل من ذكرت في هذه السطور القليلة، أردت أن ألغي المسافات وكل قوانين الجغرافيا والفيزياء، لأجد نفسي مع غادة أطوقها بحنان وأهنئها بفخر وأدعو لها بدوام الرقي والنجاح. ومن هنا قررت أن الأمر يعنيني؛ لأن غادة المطيري وأمثالها هن في حكم ابنتي، وفاتنة أمين شاكر كانت قدوتي قبل أن نصبح صديقتين.

يقول كاتب المقال، إنه شَعر لحظة قراءة الخبر بالفخر بوطنه، والفخر بوالد غادة ووالدتها اللذين وثقا بقدرتها، وكفلا لها الحرية لتكمل مسيرتها في العلم. فلم يسعني إلا أن أهمس له داعية: لا فض فوك. ولا توقف قلمك. واستمر في عرض سجل الفخر ببنات وطنك، وفيه الدكتورة حياة سندي، التي كرمتها جامعة هارفارد، وإيمان هباس المطيري، وهويدا عبيد القثامي، وفاتن بنت عبد الرحمن خورشيد، والأميرة مشاعل بنت محمد آل سعود.

وتساءل الكاتب في نهاية مقاله، لماذا لا يحتفي الوطن بانجاز المتفوقات؟ لماذا لا يسمي قسما في إحدى الجامعات باسم واحدة من هؤلاء؟ ولماذا لا نحتفي بإنجاز المرأة احتفالنا الإعلامي المدوي بشاعر المليون؟

القائمة التي ذكرت في المقال، هي قطرة في بحر من التميز والإبداع والكفاح لبلوغ الدرجات الرفيعة في وجه كافة أشكال الصعاب. مشوار تقطعه المرأة السعودية بعزم وإصرار يجرف بقوة كل عثرات الطريق. مشوار أشبهه باندفاع الماء من أعالي الجبال ليشق طريقه في الصخر وينساب في الوديان فتخضر الأرض.