انتصار مبادرة الدرع الصاروخي

TT

لو أن رونالد ريغان كان يشاهد الأنباء، لكان عليه أن يبتسم، ليس لقرار الرئيس أوباما بالتخلي عن خطط نشر نظام الدفاع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك، وإنما للرمزية السياسية لتلك الخطوة، بالتخلي عن اتفاق مع حليفين في أوروبا الوسطى الظهور بمظهر المتخاذل أمام ضغوط الكرملين. وكمقاتل مؤيد لحزبه فسينضم ريغان إلى صفوف الجمهوريين الرافضين لتلك الخطوة.

لكن ريغان سيدرك، على المستوى الجوهري، أن الإعلان يمثل حدا فاصلا في السياسات الأميركية، إذ إن هذه هي المرة الأولى منذ أن أدلى بخطابه المسمى «حرب النجوم» عام 1983، الذي تحدث فيه عن رؤيته لدرع صاروخية تحمي الولايات المتحدة من هجوم نووي، يوافق كلا الحزبين على وجهة نظره بحاجة البلاد إلى نظام دفاع صاروخي فاعل. وتحولت المناقشات من التركيز ما إذا كانت البلاد في حاجة إلى بناء الدرع الصاروخية إلى نوع الدرع التي تفي بالمهمة بصورة جيدة ضد تلك التهديدات.

كان السواد الأعظم من الديمقراطيين بل وحتى بعض الجمهوريين في عهد ريغان يشعرون بأن الرئيس واهم إلى حد بعيد في اعتقاده بإمكانية نجاح مثل هذه الدرع، بل وأكثر جنونا بإمكانية نشرها. بيد أن المقدمة المنطقية للحرب الباردة كانت تقوم على مبدأ التدمير المتبادل المؤكد، الذي يرتكز على إمكانية تعرض الدول الكبرى لهجمات نووية لمنع الصواريخ من الانطلاق. زادت احتمالات عدم وقوع تدمير متبادل إن استخدمت الصواريخ النووية إلى استمرار التفكير في احتمالات وقوع خطأ جسيم في الحسابات يمكن أن يؤدي إلى عواقب مدمرة.

عارض الديمقراطيون بصورة غريزية خطة جورج بوش لنشر نظام الدفاع الصاروخي في وسط أوروبا. وفي الوقت الذي رغب فيه الجمهوريون في القول بأن الديمقراطيين خائرون أمام الكرملين، كان لا يزال يوجد عدد من الجمهوريين الليبراليين الذين كرهوا فكرة إنشاء أي نظام دفاع صاروخي، والذين اعتقدوا أنها ستقوض من جهود نزع السلاح. وقد كان ذلك السبب وراء تصريحات أوباما غير الملزمة والحذرة حول الدفاع الصاروخي خلال حملته الانتخابية عام 2008، التي أقلقت عددا من أبرز أنصاره إلى جانب خصومه.

لكن الرئيس يقول الآن إن خطته ستسفر عن دفاع صاروخي أكثر قوة وذكاء واستجابة من البديل الذي طرحه بوش. وبعبارة أخرى فإن نهج إدارة أوباما، كما وصفه الرئيس، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع روبرت غيتس، وآخرون، واضح لا لبس فيه، وإن نظام الدفاع الصاروخي مكون مهم لترسانة الولايات المتحدة. ومن خلال التركيز على التهديدات الآنية مثل الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى ستركز أيضا على إظهار القوة الأميركية في الدفاع عن أوروبا والشرق الأوسط بالدرجة الأولى، مع تجنب الإجابة في الوقت ذاته على التساؤل الخاص بالدفاع عن الأمن الداخلي ضد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (من إيران أو من أي دولة أخرى).

أدت تلك التصريحات إلى خروج الصحف بعناوين تتحدث عن قلب الرئيس أوباما حول فكرة ريغان بشأن الدفاع الصاروخي رأسا على عقب، عندما غيّر ترتيب أولوياته. وقد يكون هناك بعض الصدق في هذه التصريحات، لكنها جميعها ترتبط بالتكتيكات وليس المبادئ، فالنقطة الأهم هنا، من وجهة نظر سياسية، أن أوباما فعل تجاه الدفاع الصاروخي ما قام به بيل كلينتون بالنسبة لإصلاح نظام الرفاهية الاجتماعية. فعندما تبنى كلينتون الرفاهية الاجتماعية، تلك المبادرة التي أطلقها الجمهوريون وكرهها الديمقراطيون تحول النقاش إلى التساؤلات بشأن نوع الإصلاح وعلى أي النطاقات سيعمل بدلا من معاملة نظام الرفاهية القديم وكأنه مقدس.

لذا يقول الجمهوريون بشأن الدفاع الصاروخي واستراتيجية الأمن القومي إن أوباما سمح بالكثير من التخفيضات في برامج الدفاع الصاروخي حتى قبل قراره الأخير، لكي يناقش بثقة أنه سيعزز من قدراتنا الرادعة. لكن أولويات الإدارة الآن إثبات خطأ المنتقدين عبر بناء نظام فاعل ليس فقط ضد الصواريخ القصيرة المدى والمتوسطة، بل عند الحاجة إليها في المستقبل ضد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

بمقدورك الرهان على أن أوباما لن يرغب في أن يترشح مرة أخرى في عام 2012 ليزعم من على المنصة أن البلاد لم تعد بحاجة إلى نظام دفاع صاروخي قوي. لا، بل العكس هو الصحيح. وهو ما يعني أن وجهة نظر رونالد ريغان فكرة يناصرها كلا الحزبين ويدافعان عنها بشكل كامل.

* مراسل العلاقات الخارجية السابق في مجلة «نيوزويك»، ومحرر ونائب رئيس ومدير قسم السياسة العامة في معهد «إيست وست».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»