أُكلت يوم أكل الثور الباكستاني

TT

الهجوم الأخير لطالبان بنسختها الباكستانية على قيادة للجيش الباكستاني في روالبندي يثير صورا مختلفة من القلق، على صعيد مستقبل باكستان كقوة استراتيجية وعلى صعيد التعامل مع التطرف كخطر كامن لا يهدد باكستان وحدها، درس يجب أن تستفيد منه بعض الدول العربية التي تتصارع هي الأخرى وبنمط مختلف مع التشدد.

الجيش الباكستاني الشهير بقوته النووية وانضباطه وجودة تدريبه ودقة استخباراته يتسلل بكل سهولة إلى مقر قيادته في روالبندي مجموعة مسلحة من طالبان فيعيثون في مقر القيادة فسادا ويحتجزون رهائن ويقتلون ضباطا وجنودا إلى أن انتهى هذا المشهد التراجيدي المؤسف بقتل الخاطفين وبعض الرهائن، فباتت هيبة الدولة ضعيفة أمام ضربات حركة طالبان العنيدة التي كما أرهقت باكستان فقد دوخت قوات التحالف في أفغانستان وحكومتها «الكارزاوية» الضعيفة المتهالكة.

طالبان لم تكن حركة إرهابية حين نشأت ولا أظن أن غالبية أتباعها في الوقت الحاضر إرهابيون، فالحركة فيما يبدو تتعارك ثأريا مع الجيش الباكستاني بسبب تعاون الجيش مع قوات التحالف في حرب حركتها في وزيرستان ومقتل قائدها الباكستاني محسود، لكنها بسذاجتها السياسية لا تدرك أن مناكفتها لباكستان الدولة الإسلامية النووية الوحيدة تساهم في إضعافها أمام الهند منافستها اللدودة.

شيء ما في أحداث باكستان الأخيرة ذكرني بأحداث صعدة والتمرد الحوثي في اليمن، مع التسليم بالفوارق الشديدة والظروف السياسية والعسكرية هنا وهناك، ففي باكستان التي تجاور أسدا هنديا كان سينقض عليها لولا براثنها النووية تقدم طالبان الباكستانية خدمة ثمينة للهند بمشاغلتها للجيش الباكستاني وإظهار اختلال توازنه، فإنهاكها للجيش الباكستاني واستنزافه هو بالتأكيد إضعاف للكيان الباكستاني، والحركة الإسلامية في اليمن هي الأخرى تحالفت مع الحكومة اليمينية خلال فترات مختلفة، كان أوضحها تحالفها مع الجيش في حرب الشيوعيين والحفاظ على الوحدة، والآن إيران الدولة الإقليمية والقوة النووية القادمة تشكل خطرا على اليمن من خلال حركتها الحوثية في صعدة والكيان اليمني بكل مكوناته ومؤسساته يتعرض للخطر وما برح بعض الإسلاميين في موقف متردد لا أقول من الوقوف مع الحكومة اليمنية من أجل عيونها، ولكن من أجل عيون الوطن لأن الخطر سيطال الجميع.

فساد الحكومات وسوء تصريفها لشؤون دولها والرغبة في منافستها على الحكم أو الحصول على أكبر عدد من الحقائب الوزارية لصالح هذا الحزب أو ذاك لا يجب أن يكون على حساب كيان الوطن، انظر كيف تتصارع الأحزاب الغربية مع بعضها في منافسات مريرة وصراعات شرسة وضرب يطال ما تحت الحزام، ولكن حين تواجه أوطانهم أزمات كبرى أو تتورط في حروب تتأجل الصراعات والمنافسات البينية، لاحظنا هذا حين اصطف الحزب الديموقراطي المعارض مع الحزب الجمهوري الحاكم حين تدخلت أميركا في أفغانستان والعراق، وما حصل لهذين الحزبين حصل للأحزاب البريطانية وأحزاب سياسية أوروبية أخرى، أما في عالمنا العربي والإسلامي فيغلب على القوى السياسية تغليب المصالح الشخصية والحزبية الآنية على مصالح الكيان، وقميص عثمان مركون في الأدراج، وبرفع عند الأزمات والكوارث السياسية.