هل تبتعد تركيا عن إسرائيل؟

TT

في خطوة غير مألوفة تركيا شطبت اسم إسرائيل من قائمة الدول المدعوة للمشاركة في مناورات حلف الناتو على أراضيها، الناتو أجل كانت المناسبة المهمة عسكريا.

بحثت في السبب، لماذا غامر الأتراك بإغضاب أصدقائهم الإسرائيليين؟ هل نحن نرى تركيا جديدة، تسير في سلسلة خطوات صغيرة للتخلص من علاقتها الخاصة بإسرائيل؟ أم أنها مناورة سياسية لأغراض مؤقتة؟

عثرت على مبرر واحد، ومهم بالنسبة للقيادة السياسية التركية، أنقرة تريد معاقبة تل أبيب لأنها طلبت إبعاد تركيا من التفاوض مع سورية. بيبي نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، أبلغ السوريين أنه يصر على مفاوضات مباشرة بدون الوسيط التركي الذي كان يجلس معهم في الغرفة ويقوم بنقل الإجابات. وقد جاء الرد السوري بأنه لا مفاوضات مباشرة إلا بشرط أن تقبل إسرائيل مسبقا بحدود 67 قبل الحرب. شرط رفضه الإسرائيليون، أيضا. وهذا يفسر الكثير من الإشكالات الطارئة خلال هذه الأيام، بما فيها الموقف التركي.

وقد لا يفهم العرب كثيرا الموقف التركي لأنه موقف مركّب تاريخياً. فالأتراك اعترفوا بإسرائيل قديما في عام 49، بعد إيران الشاه، وتربط الأتراك إلى اليوم علاقات مميزة بالإسرائيليين في المجالات العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية والدبلوماسية. لإسرائيل بعثتان دبلوماسيتان، واحدة في أنقرة والثانية في اسطنبول. عسكريا إسرائيل تبيع تركيا صفقات كبيرة من الأسلحة، وتمنح تركيا مجالها الجوي الفسيح ليتدرب فيه الطيارون الإسرائيليون على ضرب المواقع العربية والإيرانية، لأن الأجواء الإسرائيلية ضيقة وتضاريسها غير متنوعة. لكن الأجواء الأخيرة مع تولي نتنياهو الحكومة صارت ملبدة بالاختلافات دون أن تصل إلى مرحلة القطيعة.

العلاقة تتغير، حيث كان العرب في الماضي أقرب إلى اليونان، والإسرائيليون أصدقاء تركيا، حتى أن المخابرات الإسرائيلية ساهمت في تسليم زعيم المعارضة الكردية المسلحة عبد الله أوجلان للأتراك بعد أن طرده السوريون. تبدلت تركيا بعد مائة عام من العزلة. أصبحت قريبة من العرب في علاقة سياسية جيدة مع سورية، واقتصادية كبيرة مع العراق. هذا يفترض أن يجعل الأتراك وسيطا مثاليا بين العرب والإسرائيليين بحكم العلاقة الثلاثية المرتكزة على أنقرة لولا أن الأتراك يرسلون إشارات سلبية متعددة في اتجاه إسرائيل منذ الجدل بين رئيس وزراء تركيا ورئيس إسرائيل في إحدى ندوات دافوس هذا العام، وما تلاها من ملاسنات، حيث قال أحد القادة العسكريين الإسرائيليين إن على تركيا أن تطالع نفسها في المرآة قبل أن تنتقد إسرائيل كونها «تحتل شمال قبرص» وتضطهد الأكراد والأرمن. لكن تركيا يمكن أن تعطي الطرفين الإسرائيلي والعربي درسا هذا الأسبوع بعد أن وقعت مع أرمينيا اتفاق سلام تاريخيا أنهت بموجبه نزاعا وكراهية دامت مائة عام بين الأرمن والأتراك.

العرب بحاجة إلى تركيا كوسيط، وليس طرفا في النزاع، فالوسطاء ندرة وأطراف النزاع كثرة، ولن تستطيع أنقرة منافسة طهران في هذا المجال، أيضا.

[email protected]